الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 04 ديسمبر 2025 - 13 جمادى الثانية 1447هـ

الوقفات الإيمانية مع الأسماء والصفات الإلهية (4) اسم الله (القوي) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- التعرف على الله -تعالى- أجل أنواع المعرفة، والتعبد له -تعالى- بأسمائه وصفاته أجل أبواب التعبد: قال -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأعراف: 180). وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) (متفق عليه).

- ورد اسمه سبحانه (الْقَوِيُّ) في القرآن الكريم (تسع مرات) جاء في أكثرها مقترنا باسمه (العزيز) كما في قوله -تعالى-: (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) (الأحزاب: 25). وورد مرتين مقترنًا بشديد العقاب، كما في قوله -تعالى-: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 52).

- المعنى اللغوي (للقوي): قال الجوهري: "القوة خلاف الضعف، ورجل شديد القوى، أي: شديد أسر الخلق" (الصحاح).

- معناه في حق الله -عز وجل-: قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: لا يغلبه غالب ولا يفوته هارب" (تفسير ابن كثير).

- وقال الخطابي -رحمه الله-: "هو الذي لا يستولي عليه العجز في حال من الأحوال، والمخلوق وإن وصف بالقوة، فإن قوته متناهية، وعن بعض الأمور قاصرة" (شأن الدعاء).

الوقفة الأولى: قوة بعض جنود القوي -سبحانه و-تعالى-:

- المقصود بذلك: بيان عظيم قوة بعض مخلوقات القوي -سبحانه و-تعالى- من باب: (فكيف بقوة من خلقها؟)، قال -تعالى-: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) (المدثر: 31)، وقال -تعالى-: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (الفتح: 4)، وقال -تعالى-: (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا) (النازعات: 27).

1- قوة الجبال (رمز القوة الشدة)(1): عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت للنبي -صلى الله عليه وسلم-: هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال: (لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا) (متفق عليه).

2- قوة الأرض (اهتزاز معه الزلازل المدمرة - انشقاق معه الخسف المخيف): قال -تعالى-: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) (القصص: 76)، ثم قال -تعالى-: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) (القصص: 81).

3- قوة الماء (اندفاع معه الهدم والدمار - استغراق معه الإغراق): قال -تعالى- عن قوم نوح: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ . فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ . فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ . وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ . وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ . تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ . وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر: 9-15).

وقال -تعالى- عمن زعم امتلاك ماء الأرض: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) (الزخرف: 51)، ثم قال في عقوبته: (فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (القصص: 40).

4- قوة الرياح والعواصف والأعاصير: قال -تعالى- عمن زعموا أنهم هم القوة العظمى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ . فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ) (فصلت: 15-16).

5- قوة النار (أقوى الجنود.. تصهر وتأكل كل شيء)(2): قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 24)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا) (متفق عليه). وقال -تعالى- عن طلبها للكفار والفجار: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (ق: 30).

الوقفة الثانية: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ):

- ومع عظيم قوة جند الله المسخرة التي سلطها الله على كثير من الظالمين؛ إلا أن البشر لايزالون يتعجرفون ويتجبرون ويتكبرون؛ لأنهم لا يقدرون الله حق قدره(3): قال -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (الأنعام: 91).

- إنهم ينظرون إلى ما يملكون من القوة المادية المحدودة في مقابلة قوة جنود الله، ويغفلون عما حصل لغيرهم من الأمم الظالمة: قال -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40). وقال -تعالى-: (وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) (الأنبياء: 11-15). وقال -تعالى-: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ) (الرعد: 31).

الوقفة الثالثة: من آثار الإيمان باسمه سبحانه (القوي):

- أولًا: التوكل على الله وحده؛ لأنه القوي الذي لا يغالب، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد: قال الله -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) (الفرقان: 58)، وهذا يثمر عدم الخوف من قوة المخلوق؛ لأنه ضعيف مهما ملك من قوة أمام قوة القوي -سبحانه-.

- ثانيًا: الشعور بالضعف الشديد أمام قوة الله -عز وجل-: وهذا يثمر التواضع ومعرفة قدر النفس، ويثمر عدم التجبر ورحمة الضعفاء، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: كنت أضرب غلامًا لي بالسوط، فسمعت صوتًا من خلفي، اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذا هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو يقول: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ) قال: فألقيت السوط من يدي، فقال: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلَامِ) قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. وفي رواية: فسقط من يدي السوط من هيبته (رواه مسلم). وقال -تعالى-: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) (الكهف: 39).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الجبال: شعار القوة والصمود؛ قال -تعالى-: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا . وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) (النبأ: 6-7). وقد أثبت العلم الحديث أن الجبال على سطح الكرة الأرضية موزعة بدقة وحكمة بحيث تساعد على التوازن بين المرتفعات والمنخفضات، حتى لا تضطرب الأرض ولا تميل بنا، فكأن هذه الجبال تعمل عمل الأوتاد التي تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.

(2) النار تصهر الصخر: الحمم البركانية هي تدفقات لكتل صخرية مصهورة وسائلة، تندفع من باطن الكواكب الصخرية وتنبثق من البراكين، كما تطفح من الشقوق على جوانب البركان، والتي نشأت من خلال الانفجارات الحادثة. وتتكون من مجموعة من المعادن والصخور المنصهرة، تكون درجة حرارتها بين 700 و1200 درجة مئوية، عندما تبرد وتتصلب تشكل ما يسمى بالحرات، والحرة هي الأرض البركانية السوداء.

فائدة: يستخدم فرن صهر الحديد الهواء الساخن والوقود (مثل الفحم) لتوليد درجات حرارة عالية لصهر خام الحديد وخردة الفولاذ. تصل درجة حرارة فرن الصهر إلى 2000 درجة مئوية، وهي مناسبة لإنتاج الصلب المستمر على نطاق واسع والإضافة المستمرة للمواد لإنتاج الحديد المنصهر (الموسوعة الحرة - ويكيبيديا).

(3) هذه الحقيقة التي غابت عن بعض البشر اليوم فتجبروا بقوتهم، وطغوا بأسلحتهم من القنابل الهيدروجينية والعنقودية، والإشعاعية والارتجاجية، والنووية، إلخ. وتباهوا بأنها: موجهة بالأشعة، وتنفرش كالسجادة، وتنفجر كالعنقود، وتتوزع انشطارًا، تفني وتبيد، وتقتل وتدمر، إلخ. (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) (الأنعام: 91).