الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 26 ديسمبر 2024 - 25 جمادى الثانية 1446هـ

الألباني.. إمام الحديث في العصر الحديث (2)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد حَانَ وقتُ الإعلامِ، عن عَلَمٍ مِن الأعلامِ، بَدْرِ التَّمَامِ، حَسَنَةِ الأيّامِ، عالِمٍ مِن صفوةِ عُلَّامِ السُّنَّةِ وخُلْصَانِهِم، وإمامٍ مِن أصفياءِ أَئِمَّةِ الحديثِ ووُحْدَانِهِم، الشَّيخِ محمَّد ناصر الدِّين الألبانيّ -رحمه اللهُ عالِمًا ومُعلِّمًا وقُدْوَةً-.

عاش حياتَه حَدِبًا على السُّنَّةِ، دَؤُوبًا على رعايتِها، مُحَقِّقًا ما يَأْمَلُهُ لِعُلُومِ الحديثِ مِن نَماءٍ وثَراءٍ، وحَيَوِيَّةٍ وازدهارٍ.

ومِن اللَّطائفِ: أن يَصِيرَ إنسانٌ عَلَمًا على بلدِه؛ فإنْ قُلْنَا (الألباني) فلا يَخْطُرُ بِالبالِ إلا شخصٌ واحدٌ، هو الشَّيخُ محمد ناصر الدِّين الألبانيّ، مع أنّ أهلَ ألبانيا تَغَذَّوْا بلِبانِها، وتَرَبَّوْا تحت سقفِها، بل إنّ بعضَهم كانت لهم أمجادٌ وآثارٌ أَحْيَتِ اسْمَهُم، وخَلَّدَتْ ذِكْرَهُم، ومع هذا لَم يأخذ واحدٌ منهم لقبَ (الألباني)، فتَفرَّد الشَّيخُ الألبانيُّ بهذه النِّسبةِ عن غَيْرِه، وتَميَّز بها عمَّن سِوَاه؛ وهذا فَضْلُ اللهِ يُؤتِيهِ مَن يَشاءُ.

لذا فلا يَسُوغُ لنا أن نَمُرَّ على ألبانيا مُرُورَ الكرامِ بأن نَقُولَ -على عادةِ مَن تَرْجَمَ له-: وُلِدَ بها الشَّيخُ الألبانيُّ، وهاجر مع أبيه إلى بلادِ الشَّامِ في سِنٍّ صغيرةٍ! بل لا بُدَّ أن نُلقِيَ الضَّوءَ على ألبانيا، ومَعالِمِها، وطبيعةِ الحياةِ الإنسانيَّةِ فيها، وصِلَاتِ الأفرادِ والجماعاتِ، وحقيقةِ عَقائدِهم وضُرُوبِ مَذاهبِهم.

فإذا نَظَرْنَا في مَسَارِ خريطةِ أوربّا، وَجَدْنَا في الجَنُوبِ الشَّرقيِّ منها منطقةً تُسمَّى منطقةَ البَلْقَانِ أو شِبْهَ جزيرةِ البَلْقَانِ، وهي منطقةٌ تَتكَوَّنُ مِن دُوَلٍ عديدةٍ، مُخْتَلَفٌ في عددِها لأسبابٍ جُيُوسِياسِيَّةٍ. والجُيُوسِياسِيَّةُ: مُصطلَحٌ وَضَعَهُ المُفَكِّرُ السُّويدِيُّ يوهان رودولف كجلين (1864 - 1922) في بداياتِ القرنِ الميلاديِّ الماضي، وجُيُو: معناها الأرضُ باليُونانيَّةِ، وتَتَعلَّقُ الجُيُوسياسِيَّةُ بدراسةِ تأثيرِ السُّلُوكِ السِّياسِيِّ في تغييرِ الأبعادِ الجُغرافيَّةِ لِلدَّوْلَةِ، ومدى تأثيرِه على السُّلُوكِ الدَّوْلِيِّ، وتَتحَكَّمُ في هذا بعضُ العواملِ الجُيُوسِياسِيَّةِ؛ مِثْلُ: المواردِ الطَّبيعيَّةِ، والحُدُودِ الجُغرافيَّةِ، والموقعِ الجُغرافيِّ الذي يُعَدُّ النُّقْطَةَ الفَاصِلةَ في التَّحَالُفَاتِ الدَّوْلِيَّةِ؛ فتَنظُرُ الدَّوْلَةُ مِن خلالِ هذا المُصطلَحِ إلى إمكانيَّةِ بَسْطِ نُفُوذِهَا على مساحةٍ كبيرةٍ مِن العالَمِ، مهما كانت الأغراضُ أو الدَّوَافِعُ التي تَدعُو إلى ذلك، بالإضافةِ إلى تفاصيلَ أخرى لا يَتَّسِعُ المَقامُ لِحَصْرِهَا وتَمَامِ ذِكْرِهَا.

وهناك عَشْرُ دُوَلٍ تَقَعُ بِالكاملِ في منطقةِ البَلْقَانِ، أو تَقَعُ مساحةٌ واسعةٌ مِن أَرَاضِيهَا في هذه المنطقةِ؛ هي: ألبانيا، والبُوسنة والهِرْسِك، وبُلغاريا، وكُرْوَاتيا، وكُوسُوفُو، والجبلُ الأسود، ومَقْدُونيا الشَّماليَّة، ورُومَانْيا، وصِرْبِيا، وسُلُوفِينيا؛ وتَقَعُ أجزاءٌ مِن مِسَاحَاتِ اليُونانِ وتُرْكِيا في هذه المنطقةِ، وأيضًا جُزْءٌ صَغِيرٌ مِن مِسَاحَةِ إيطاليا.

وتَقَعُ منطقةُ البَلْقَانِ في شرقِ إيطاليا ويَفْصِلُهَا عنها البحرُ الأدرياتِيكي، وتَطُلُّ على أجزاءٍ مِن البحرِ الأبيضِ المتوسطِ والبحرِ الأدرياتِيكي والبحرِ الأَيُونِي مِن النَّاحِيَةِ الغربيَّةِ، وتَطُلُّ على البحرِ الأسودِ مِن الشَّرقِ، وبحرِ إيجةَ مِن الجَنُوبِ بالإضافةِ إلى تُركِيا واليُونَانِ، ويَحُدُّهَا مِن الشَّمالِ النِّمْسَا وهُنْغَارْيَا (المَجَر)، ومِن الشَّمالِ الشَّرقيِّ مُولْدُوفَا وأوكرانيا.

ونُكْمِلُ في المقالِ القادمِ -إن شاء الله-.