الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 30 مارس 2025 - 1 شوال 1446هـ

النصيحة

كتبه/ إسلام صبري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالنصيحة قيمة عظيمة، ووصية نبوية، وحق للمسلم على المسلم، وعبادة جليلة، ووظيفة الأنبياء وأتباع الأنبياء؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌الدِّينُ ‌النَّصِيحَةُ) (رواه مسلم)، وقال نوح -عليه السلام- لقومه: (وَأَنْصَحُ لَكُمْ) (الأعراف: 62)، وقال هود -عليه السلام- لقومه: (وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (الأعراف: 68)، وقال صالح وشعيب -عليهما السلام- لقومهما: (وَنَصَحْتُ لَكُمْ) (الأعراف: 79).

والنصيحة في اللغة تدور حول معنيين اثنين:

الأول: هو الملائمة بين شيئين والإصلاح بينهما، وأصل ذلك الناصح؛ وهو الخياط، فالخياط -وهو الناصح- يصلح القماش، ويرقّع الخروق، ويلائم بين القماش بعضه ببعض ليَخرُجَ ثوبًا جميلًا يُبْهِجُ النفوسَ، وتسعدُ به العيون، يمكن لبسه واستعماله، قد خلا عن عيب وخرق وثقب بما نصحه به الناصح وخاطه وأصلحه ذلك الخياط.

الثاني: التخليص والتصفية، من نصحَ العسل إذا صفّاه من شوائبه.

فالناصح هو الخالص من العسل، ومن غيره.

وكل شيء خَلَصَ فقد نصح.

فالنصيحة تدور حول هذين المعنيين -الإصلاح والتخليص-؛ فكذلك الناصح الأمين -وما أقلّه في الوجود-، إنما يريد لك الصلاح، والفلاح، يخلص في نصحك ليصلحَ نفسَك، ويُكْملُ نقصَك، ويستر عيبك، ويُخَلِّصُك من عيوبك، وينقيك من الشوائب والمعائب، لتكون أصفى وأخلص، وأتقى وأنقى، وأصلح وأفضل، فإذا امتثلت نصحه، أو أخذته بعين الجدّ والاعتبار لتنظر فيه فلن تعدم فائدة بهذا النظر؛ فإنك ستكون في حالٍ أفضل تسرّ الصديق، وتُفرِحُ الحبيب، وقد زال نقصُك، وسُتِر عيبُك، وسِرْت في طريق كمال تهذيب النفوس، وسلامة الصدور والقلوب، وصِرْت من المحبوبين المقربين، المصلحين المخلَصين.

لكن -وللأسف- كثير من الناس لا يحبون الناصحين ولو كانوا صادقين مخلصين، وقد قال الأنبياء لأقوامهم بعد أن أخلصوا لهم النصح، وصدقوا في البلاغ والرسالة، ومحبة الخير والنجاة لهم: (وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) (الأعراف: 79)، وهذا حال الكثيرين، لا يحب الناصحين، قد يحب المدّاحين والُمثنين، ويبتعد عمن ينصح ولو برفق ولين، لذلك احمل نفسَك أخي على قبول النصيحة حتى ولو كنت تظن أنك لا تحتاجها فلن تعدم خيرًا من النظر في نصح الناصحين.

وقد قال لنا مشايخنا: اقبلوا نصيحة الناصح؛ أي: انظروا فيها فإن كانت صائبة فقد انتفعت بها، وإن كانت غير مناسبة فقد انتفعت بسماعك لها، ونظرك فيها، وشكرك لقائلها.

والناصح ينصح لا بشرط القبول، أي: هو يلقي النصيحة للمنصوح لينظر فيها، فإن قبلها فالحمد لله، وإن ردها فقد أدّى ما عليه إن كان صادقًا، فلا يغضب إن لم يقبل نصحُه، ولا يحمر أنفه إن لم يُعمَل بقوله، بل هو ناصح ولا يشترط مع نصحه القبولَ لما ينصح ويقول.

والمنصوح يقبل النصيحة بلا لوم ولا تبرير، فليس معنى أن نصحه ناصح أن يبادر سريعًا إلى لومه على نصحه، أو يتسلح بتبريرات حقيقية أو غير حقيقية، يحرص على تبرئة ساحته ولو بلا تهمة، ويصرّ على تبرير موقفه ولو بلا حاجة -إلا عند المصلحة والحاجة-، بل هو مستمع جيد، يقبل نصح ناصحه ويشكره وينظر فيه فلعله ينتفع ولو بشيء منه.

والمقصود: احرص على أن تكون ناصحًا أمينًا في نصحك، أما إذا وجدته -الناصح الأمين- فاشدد عليه يدك، وانصح لا بشرط القبول، واقبل النصح بلا حاجة لتوضيح أو تبرير. والله الموفق.