كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحسن التعامل مع النتائج غير المرضية الناتجة عن القرار، ومارس -صلى الله عليه وسلم- ذلك عمليًّا في درس تطبيقي واضح، لمَّا نزل على رأي المجموع من أصحابه بالخروج لملاقاة قريش في غزوة أُحُد؛ رغم أنه كان يرى أن الأصلح والأفضل هو التحصن بالمدينة، ولم يكن هناك وحي ولا بينات تحسم الأمر؛ وذهب يتأهب للمعركة -صلى الله عليه وسلم-، وكان الناس ينتظرون خروجه، فقال لهم سعد بن معاذ وأسيد بن حضير -رضي الله عنهما-: "استكرهتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخروج فرُدوا الأمر إليه"؛ فندموا جميعًا على ما صنعوا، فلما خرج قالوا له: "يا رسول الله، ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت، إن أحببتَ أن تمكث بالمدينة فافعل"؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إذَا لَبِسَ لَأَمْتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ) (أخرجه أحمد في مسنده، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره").
ولما وقعت الهزيمة، لم يعاتبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لم ينزلوا على رأيه، بل لم تنزل آية من القرآن تعاتبهم على ذلك، بل كان اللوم والعتاب على معصية منفكة عن القرار الذي اتُّخِذ؛ وهي: الخلل الذي حصل في التنفيذ؛ كما قال -تعالى-: (وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ) (آل عمران: 152)، وأما القرار فقد أدوا ما عليهم، وأبرأوا ذمتهم، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في حمراء الأسد ليقلل من آثار ما كان في أُحُد.
حيثيات يجب أخذها في الاعتبار:
1- الممارسة والخبرة، وتعدد التجارب أمر معتبر؛ لأنها تكسب الفرد السرعة والمهارة اللازمة في اتخاذ القرار.
2- دائمًا اتخاذ القرار أفضل من عدم اتخاذه -وإن كان في القرار أخطاء في بعض الأمور-؛ لأن عدم اتخاذ القرار يصيب الإنسان بالعجز والشلل في مواجهة الأحداث وحل المشكلات، ويجعله دائمًا منفعلًا أو ردَّ فعل.
3- اتخاذ القرار يحتاج إلى عقليات متفتحة مَرِنَة، لها القدرة على توليد الأفكار.
4- اتخاذ القرار ليس هو نهاية المطاف، بل في الحقيقة هو بداية؛ لأن أثناء التنفيذ قد يحدث العديد من التعديلات وَفْقًا للمستجدات؛ فليس الأمر في اتخاذ القرار فقط، وإنما أهم من ذلك ما بعده من متابعة تطور المدخلات.
محاذير لازمة (اللاءات الخمسة):
عند اتخاذ القرار هناك بعض الآفات التي قد تحدث بحكم البشرية والتي يجب الحذر منها؛ لأنها قد تتسبب في انحراف القرار عن تحقيق مقصوده النافع؛ لذلك من المحاذير المهمة التي يجب تجنبها عند اتخاذ القرار، خمسة محاذير (اللاءات الخمسة)؛ وهي:
1- لا للمجاملات في اتخاذ القرار.
2- لا لتحكيم العواطف (فالعواطف عواصف).
3- لا للتردد وعدم الحسم في القرارات.
4- لا للإذاعة أو النشر للقرارات أو حيثياتها؛ إلا وَفْقًا للآلية المتفق عليه.
5- لا للتسرع في اتخاذ القرار أو البطء الشديد في اتخاذه أو تنفيذه.