الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 27 نوفمبر 2011 - 2 محرم 1433هـ

أمانة نَحملها ونُحمِّلها لمرشحي التيار الإسلامي في انتخابات مجلس الشعب

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسام على رسول الله، أما بعد؛

فإن الإسلام دين ودولة؛ إذ إن للإسلام شريعته التي تمتد أحكامها إلى شتى جوانب الحياة المختلفة بما فيها الجانب السياسي؛ إذ لا يخلو جانب من جوانب الدولة في الإسلام -ومنها: السياسي- من أحكام شرعية تتعلق به، ويلزم المسلمون العمل به، وتطبيق هذه الأحكام في هذه الجوانب المختلفة من فروض الكفايات على الأمة والتي إذا لم تقم بها؛ أثم الجميع، ويشمل الوزر كل الأمة، فيأثم كل من كان قادرًا على تطبيق هذه الأحكام فلم يطبقها، ويأثم -أيضًا- من لم يكن قادرًا على تنفيذها، ولكنه لم يأمر القادر على ذلك، ولم يحثه حثًّا على تطبيقها ويعينه على ذلك بما استطاع.

والآيات القرآنية المتعلقة بوجوب العمل بأحكام الشريعة في جوانب كثيرة لا يتسع المقام لتناولها، وكثرتها دليل أهمية قضيتها، فهي قضية عقائدية قبل أن تكون متعلقة بأحكام فقهية، ومن هذه الآيات: ما كان نزوله في مكة قبل الهجرة تخبر المسلمين بأن الحكم لله -تعالى-، وأن على المسلم الخضوع والانقياد لأحكامه -عز وجل-، وذلك قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة وظهور المجتمع المسلم بها، فجاءت لتكون آيات تهدف إلى بناء الجانب العقائدي في فكر ونفس الشخصية المسلمة من بدء تكوينها؛ إذ أن إعداد المسلم وبنائه مقدم على بناء الدولة، وبناء الدولة يقوم على ما تم بناؤه في المسلم، وإذا أقام المسلمون دولة الإسلام في قلوبهم وأعمالهم؛ سهل عليهم بناء دولة الإسلام على أرضهم.

فمن الآيات القرآنية المتعلقة بوجوب التحاكم إلى الله -عز وجل- ونزلت بمكة: قوله -تعالى-: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:40)، وقوله -تعالى-: (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) (الكهف:26)، وقوله -تعالى-: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) (الشورى:10)، وقوله -تعالى-: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) (الرعد:41).

ثم جاءت الآيات القرآنية في العهد المدني وبعد قيام المجتمع المسلم تؤكد هذا المعنى في المواقف المختلفة؛ ليستقر في النفوس، فلا تتردد لحظة في الأخذ به والعمل بمقتضاه، قال -تعالى-: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)، وقوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) (الأحزاب:36)، وقال -تعالى-: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ . أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:49-50)، وقال -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44).

وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيدًا) (النساء:59-60)، والآيات في هذا المعنى عديدة.

وها نحن على أعتاب إعادة بناء مصر ما بعد الثورة، ووضع دستور جديد لها، ومن هذا المنطلق تأتي أهمية اختيار المرشحين لمجلس الشعب القادم، والذي سيتم انتخاب أعضائه هذه الأيام؛ إذ إنه مجلس يؤسس لنا الدولة ودستورها.

لقد كان من مكاسب "الصحوة الإسلامية" فيما مضى أن أضيف في أوائل الثمانينيات لدستور 71 الدائم من خلال تعديله مادة تقرر أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، ولكن هذه المادة لم تفعل خلال عقود الاستبداد الماضية صدًّا عن سبيل الله، ولقد كان من دأب دعاة "الدعوة السلفية" وشغلهم الشاغل بيان وجوب التحاكم إلى شرع الله والتحذير من عاقبة الحكم بغير ما أنزل الله على الأمة مما نبه الناس -بحمد الله تعالى- إلى أهمية هذه القضية وازدياد وعيهم بها.

والآن وقد زال -بحمد الله- حكم أولئك الذين كانوا يحولون بين الشريعة وتطبيقها فلم يبق لتطبيقها في حياتنا إلا أن تظهر جماهير الأمة رغبتها الأكيدة وإرادتها القوية وإصرارها الشديد على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية والنص في دستور الأمة القادم على تحكيم شرع الله -تعالى- وتفعيل ذلك.

وبداية هذا الطريق من خلال صناديق الانتخاب، واختيار مشرحي التيار الإسلامي الحريصين كل الحرص على القيام بذلك وتنفيذه.

إن التحاكم إلى الشريعة الإسلامية ليس أمرًا اختياريًّا، بل هو واجب شرعي الأمة ملزمة به، ويجب الأخذ بالأسباب الموصلة إلى تحقيقه، والتقاعس عن الأخذ بهذه الأسباب يؤدي -لا قدر الله- إلى ضياع فرصة متاحة لتحقيق هذا الواجب، ويترتب على ضياع هذه الفرصة تعطيل وتأجيل التطبيق المرجو للشريعة إلى عقود أو أجيال قادمة، وسيتخذ أعداء تطبيق الشريعة من تهاون الجماهير في اختيار ممثليهم من التيار الإسلامي الساعين لتطبيق الشريعة ذريعة يدعون بها أن الشعب يرفض تطبيق الشريعة، وهو ادعاء يعلم الجميع زيفه وبطلانه، ولكن لا مجال لإثبات زيفه وبطلانه خلال هذه الانتخابات إلا باختيار من يحرص كل الحرص على التأكيد على الأخذ بأحكام الشريعة في دستورنا القادم.

إن اختيار ممثلي التيار الإسلامي في هذه الانتخابات هو اختيار لتطبيق الشريعة أكثر منه اختيارًا لهؤلاء المرشحين، وعلى هؤلاء المرشحين من التيار الإسلامي الذين ستختارهم الأمة أن يعلموا أن هذا الاختيار ليس فوزًا شخصيًّا لهم، ولكنه انتصار لتطبيق الشريعة؛ لذا فهي أمانة تحملهم إياها جموع الأمة فلا يقصروا في أدائها كما تتمناها الجماهير التي اختارتهم.

ولله الأمر من قبل ومن بعد.

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.