كتبه/ سعيد عبد العظيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فأخطر شيء على البلاد والعباد هو الكفر بالله -عز وجل- وصرف العبادة لغيره، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) (النساء:48)، وقال: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)، وقال: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) (الحج:31)، فلابد من ردِّ الحق لنصابه، وعدم الابتذال في استخدام المصطلحات والتعبيرات، والحذر من الفُجر في الخصومة؛ فالعدل أساس الملك، وبه قامت السماوات والأرض، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8).
هل أطلقنا وصف الخطورة على الطغاة والطواغيت ممن ادعوا الربوبية والألوهية مع الله، وعبَّدوا البشر لهم من دون الله؛ كفرعون، والنمروذ، وبختنصر، وطاغية الأخدود، ومن كان على شاكلتهم؟! أو هؤلاء الذين يشرِّعون مع الله -عز وجل-، ويضعون للبشر النظم الوضعية والقوانين الطاغوتية الكفرية والرب يقول: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (الشورى:21)، وقال: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة:50)، وقال: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)؟!
وإذا وُصف الدُّعاة بالخطورة؛ فماذا يُقال في الديمقراطيين والليبراليين والعلمانيين والوطنيين والقوميين والشيوعيين وأمثالهم؟! إنهم يصدون بدعوتهم عن سبيل الله، وينفِّرون الخلق مِن طاعة الله، ولسان حالهم ومقالهم أنهم استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، وتنادوا بعقائد تخالف دين الله، قال -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران:19)، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)، وقال -سبحانه-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163)، وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3)، وقد وقف نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهو أسوة البشر أجمعين وقدوتهم يوم حجة الوداع يقول: (إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني)، فهل احتكمنا لهذا المنهج في سياستنا، واقتصادنا، واجتماعنا، وأخلاقنا، وحربنا وسلمنا، ومن الذي نحبه في الله، ومن الذي نبغضه في الله، من الذي نواليه، ومن الذي نعاديه، ومن الذي ينفع الوطن، ومن الذي يضره، ومن الأخطر، ومن الأقل خطورة؟! فالحق مقبول مِن كل مَن جاء به، والباطل مردودج على صاحبه كائنًا من كان.
ولا تجوز الغوغائية في العرض والطرح، ولا يصح أن يكون الإنسان كحاطب بليل؛ فقد يحمل حية تلدغه، و(إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6).
ومنهجنا الذي نحتكم إليه: الكتاب والسنة، ولا يجوز التعويل على البيئة والنشأة والعادة والأكثرية، قال -تعالى-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) (الأنعام:116)، وقال: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (يوسف:3)، وقال: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (يوسف:106)، وقال: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء:65)، وقال: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِينًا) (الأحزاب:36).
كنت أفهم وأستوعب أن يوصف بالخطورة مَن يصرف العبادة للسيد البدوي أو لأبي العباس المرسي، ومَن يسب الصحابة الكرام، ومن يكفِّر الناس بالكبيرة، أو يقول: لا يضر مع الإيمان ذنب، وكذلك مَن يرقص ويغني ويشرب الخمر ويتعامل بالربا؛ فأهل الكفر والضلال والبدع والمعاصي من الخطورة بمكان على أمن البلاد وأمانه ومصلحته ورخائه، وإلا فلماذا دمَّر ربُّنا قومَ نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة؟
قال -تعالى-: (فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) (العنكبوت:40)، وقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا . فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا) (الطلاق:8-9)، وقال: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) (الإسراء:16).
ركوب موجة التشهير والتشويه للدعاة -الذين يعبِّدون الدنيا بدين الله، وينهجون منهج الأنبياء والمرسلين، ويحرصون على أن يكونوا على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام- مسلك ليس بالجديد؛ قال -تعالى-: (مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) (فصلت:43)، وما قيل للرسل هو الباطل، وقال -تعالى-: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (يس:30).
البعض ضاق صدره بانتشار معاني التدين والصلاح والحرص على الرجوع لشرع الله في كل ناحية من نواحي الحياة، فعمد هذا الفريق إلى الصد عن سبيل الله بطرق كثيرة، ومنها: التشويه والتشهير؛ حتى ينصرف الناس عن الدعوة ذاتها، كما صنع ابن سلول المنافق في قصة الإفك، وهذا الفريق امتلأت به وسائل الإعلام والثقافة والتعليم، ويحلو لهم إطلاق وصف المثقفين والمبدعين والتنويريين على أنفسهم وعلى مَن كان على شاكلتهم في الإلحاد والكفر والزندقة، ولأمثال هؤلاء نقول: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ . قُلْ لا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ . قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (سبأ:24-26)، وأيضًا قوله -تعالى-: (وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ . وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ . وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (هود:121-123).
إن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وإذا لم يكن العلماء بأولياء الله فليس لله ولي، وفي الحديث الصحيح: (مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ) (رواه البخاري).
وعلى الباغي تدور الدوائر، ومن سل سيف البغي قُتل به، وثلاث من كُنَّ فيه كُنَّ عليه: المكر (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) (فاطر:43)، والنكث (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ) (الفتح:10)، والبغي (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) (يونس:23).
كان فرعون وهامان وقارون وأبو جهل وأبو لهب من عتاة المجرمين، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام:123)، ووصف قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط بالإجرام؛ قال -تعالى-: (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (الأعراف:84)، وقال: (وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (يونس:13).
فالكفر إجرام، والشرك إجرام، والنظم الوضعية إجرام، والعلمانية إجرام، والإفساد في الأرض إجرام، والقتل والسرقة والنصب والغش إجرام، وليس المجرم من يُحبس أو يُسجن فحسب؛ فقد يكون بريئًا، بل المتهم بريء حتى تثبت إدانته، والتهمة لا تثبت إلا ببينة أوضح من شمس النهار، فكيف يُخَطـَّر ويُجرَّم مَن دعا إلى الله وعمل صالحًا وقال: إنني من المسلمين؟! (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ . مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم:35-36)، فاتقوا الله في أعراض المسلمين وبخاصة الدعاة إلى الله، وقد فصَّل -سبحانه- ووضح الطريق وقال: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55).
ليس منا معصوم، وكان الإمام الشافعي يقول: "معي صواب يحتمل الخطأ، ومع خصمي خطأ يحتمل الصواب"، وقال: "ما ناظرت أحدًا إلا وأحببت أن يجري الحق على لسانه"، وبمقدور عبد الله كمال -ونرجو أن يكون له من اسمه حظ ونصيب- رئيس تحرير روزا اليوسف أن يناظر أو يراجع فضيلة الشيخ الدكتور ياسر برهامي -حفظه الله- فيما قاله أو أفتى به أو نُسب إليه انطلاقًا مما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبفهم علماء الأمة المعتبرين من الصحابة ومن تابعهم بإحسان، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها التقطها، وعلى الحق نور، والحق ما وافق الكتاب والسنة، وقد قالوا: "اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين"، وليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأصابه.
وأهمس في أذن عبد الله كمال -سامحه الله وغفر له- بأنك رميت الدكتور ياسر برهامي بأنه أخطر رجل ضد مصر، وهذا -واللهِ- من أعظم الافتراء، فماذا تقول يا رجل فيمن كفر وادعى الربوبية والألوهية وشرع مع الله؟!
ونسبتَه للكذب الشرعي، وأخشى أن ينطبق عليك المثل السائر: "رمتني بدائها وانسلت"، ولا أقول: كذبت؛ ولكن أخطأت في وصفه بزعامة السلفية وغيرها من النعوت، كما تدخلت في الأحوال الشخصية للدكتو/ ياسر متناسيًا معاني الحريات التي تطالب بها، ولربما لا تعترض -واسمك عبد الله كمال- على طريقة الممثل في زواجه، وتربية الشيوعي لأولاده!
ولا أتمنى لك أن تَجر الأذى على مسلم يدعو إلى الله وتقدمه قربانًا لقاء ثمن بخس؛ فقد كان ابن عباس ينظر إلى الكعبة ويقول: "إن الله عظمك وشرفك وحرمك، وإن المؤمن أعظم حرمة عند الله منك".
وأخيرًا أكاد أشعر أن شهرتك قد زادت بهذا المقال وهذا الاكتشاف الخطير، وأيضًا تضاعفت نسبة المبيعات من مجلة كان أرباب الأسر يحرصون على عدم إدخالها بيوتهم!
الدعوة السلفية المباركة بالإسكندرية ظهرت أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وانتشرت -بفضل الله- هنا وهناك، وكان الرواد الأوائل يقولون: كل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف، وما لم يكن يومئذ دينًا فليس اليوم دينًا، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
وكان حرص أفراد الدعوة على تعبيد الدنيا بدين الله، لم يفصلوا الأرض عن السماء، ولا الدنيا عن الآخرة، وكان منهم الطبيب والمهندس ورجل الأعمال، لم يدخلوا جُحرًا، ولم ينعزلوا عن الحياة، كانوا ينشدون إقامة حضارة على منهاج النبوة، وملاحقة معاني التطور والتقدم دون تفريط في معاني الإسلام، وحرصوا على أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، فلا بيعة ولا تنظيم.
كنا نرد على غلاة التكفير، وتجنَّبنا مسالك العنف ودخول البرلمان، وشهد القاصي والداني بذلك، وكفى بالله وليًّا، وكفى بالله شهيدًا.
لقد بورك في الدعوة، وملأت السهل والجبل حتى غدت أكبر دعوة وأصح دعوة بفضل الله، ثم بفضل هذا المنهج المبارك واجتماع الخلق عليه، ومن حملته الدكتور ياسر -بارك الله في علمه وعمله-.
وكان من الطبيعي وقد سُحب البساط من تحت أقدام الملاحدة والعلمانيين والراقصين وأشباههم أن ترتفع وتتعالى الأصوات الشانئة والحاقدة والمُبغضة، والطيور على أشكالها تقع، وكل إناء بما فيه ينضح، وتأبى سنن التدافع إلا أن تمضي في الخَلق، (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ) (البقرة:251)، فإذا كانت تهمة أفراد الدعوة السلفية أنهم قالوا للناس: "اعبدوا الله ما لكم من إله غيره"؛ فسنقول لهم: تهمة لا ننفيها، وشرف لا ندعيه، فهذه تهمة الأنبياء والمرسلين ومَن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وختامًا نقول:
إن هذا المنهج السلفي المبارك الذي يحتكم للكتاب والسنة بفهم أعلم الناس بالكتاب والسنة هو منهج الصلاح والإصلاح الحقيقي، وغيره من المناهج كالعلمانية والاشتراكية ونحوهما مناهج هدم وتخريب للبلاد والعباد ينطبق عليها قوله -تعالى-: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) (البقرة:11-12)، وأفراد الدعوة السلفية هم أنفع الناس للناس في العاجل والآجل في دلالتهم الخلق على الحق، وتعبيدهم بدين الله، وغيرهم لا يملك إلا الادعاء الذي يُقال لصاحبه: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:111).
ونقصد بأفراد الدعوة: كل من ينهج منهج الأنبياء والمرسلين، ويحرص على أن يكون على مثل ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في العلم والعمل.
أقول: أفراد هذه الدعوة هم أحرص الناس على الوطن، وأحب الناس له، وأعرف الخلق بمصلحته، وغيرهم ممن لا يؤمن بالله ربًّا ولا بالإسلام دينًا ولا بمحمد نبيًّا فشأنه كشأن الدُّبَّة تقتل صاحبَها بزعم محبته! وكشأن المصلحين في قوم ثمود: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (النمل:48)، وكشأن فرعون القائل: (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (غافر:29)، والرب -جل وعلا- يصفه بقوله: (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) (هود:97).
لقد ابتعثنا الله -كما قال ربعي بن عامر- لنخرج مَن شاء مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومِن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومِن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
لا داعي لقلب الحقائق، ولا للتفتيش في النوايا، والأمر لا يستحق أن يبيع الإنسان دينه بدنيا لا بقاء لها ولا وفاء، فضلاً عن أن يبيعها بدنيا غيره.
نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ!
فطوبى لعـبد آثر اللهَ ربـه وجاد بـدنـيـاه لـما يـتـوقــع
ما سعد البشر -ومنهم أهل الكتاب- إلا عندما طبقنا شرع الله -عز وجل-، فلا تقلبوا الموازين -رحمكم الله-، (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14)، وقال -سبحانه-: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) (الأعراف:54).
الخطر كبير إذا ساد القبيلةَ منافقوها، وعلا فجارُها أبرارَها، وتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة إذا خُوِّن الأمين، واؤتمن الخائن، ونطق الرويبضة -وهو السفيه يتكلم في أمر العامة-، وإذا حدث ذلك فانتظر الساعة.
تذكروا دومًا أن الله لا يصلح عمل المفسدين، ولا يضيع أجر المحسنين، والعاقبة للمتقين، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد:17)، وكلماتنا تظل كعرائس الشمع لا حركة فيها، فإذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح.
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.