كتبه/ أحمد يحيى الشيخ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيسعى أعداء الإسلام بكل ما يستطيعون إلى طمس "الهوية الإسلامية" بطمس معالمها كـ"العقيدة السلفية" و"التاريخ الإسلامي" و"اللغة العربية"، وإحلال هويات باطلة بدلاً منها، سواء كانت يهودية أو نصرانية، أو قومية أو وطنية، أو غربية أو فرعونية.
وقد أمر الله نبيه -صلى الله عليه وسلم- بالمجاهرة بالحق والإعراض عن المشركين في قوله -تعالى-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر:94)، وزكى الله المؤمنين بإعراضهم عن اللغو والزور في قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) (الفرقان:72).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "وهذه -أيضًا- من صفات عباد الرحمن، أنهم: (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)؛ قيل: هو الشرك وعبادة الأصنام. وقيل: الكذب والفسق واللغو والباطل. وقال محمد بن الحنفية: هو اللهو والغناء. وقال أبو العالية وطاوس ومحمد بن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم: هي أعياد المشركين. وقال عمرو بن قيس: هي مجالس السوء والخنا. وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر؛ لا يحضرونه ولا يرغبون فيه، كما جاء في الحديث: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ؛ فَلا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ) (رواه الترمذي والنسائي، وحسنه الألباني). وقيل: المراد بقوله -تعالى-: (لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) أي: شهادة الزور، وهي الكذب متعمدًا على غيره، كما ثبت في "الصحيحين" عن أبي بَكْرَة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ ثَلاثًا)، قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: (الإِشْراكُ بِاللهِ، وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ)، وَكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقالَ: (أََلا وَقَوْلُ الزّورِِ، أََلا وَشَهَادَةَ الزُّورِ) فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ.
والأظهر من السياق أن المراد: لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرونه، ولهذا؛ قال: (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا) أي: لا يحضرون الزور، وإذا اتفق مرورهم به مرُّوا، ولم يتدنسوا منه بشيء، ولهذا؛ قال: (مَرُّوا كِرَامًا). "تفسير ابن كثير 6/130".
وكلام ابن كثير -رحمه الله- واضح في أن الآية تعم كل مجالس الشرك والفسق والبدعة؛ إذ لا تنافي بين هذه الأقوال.
وهذه التزكية من الله -تعالى- كافية في تذكير المسلم بتميز هويته عن هوية غيره من أهل الملل الباطلة، ولكن وجد من أبناء المسلمين من نسي تفضيل الله -تعالى- له؛ فاستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، فأخذ بعض ما عند اليهود والنصارى مما يعتبرونه من شعائرهم ومقدساتهم، وقد صدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال: (تَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ؛ لاَتَّبَعْتُمُوهُمْ). قالوا: يا رسول الله؛ اليهود والنصارى؟ قال: (فَمَنْ؟) (متفق عليه).
يقول المستشرق "شاتليه": "وإذا أردتم أن تغزوا الإسلام وتكسروا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضتْ على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانتْ السبب الأول والرئيس لعزة المسلمين وشموخهم وسيادتهم وغزوهم للعالم؛ فعليكم أن توجهوا جهود هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية، بإماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن، وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتكم وتاريخكم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي، وحتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء؛ لكفانا ذلك؛ لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أغصانها".
هكذا ينظرون إلينا وهذا ما يريدون منا!!
ومن أعظم ما يستخدمونه لطمس "الهوية الإسلامية": ما يحاولون نشره بين المسلمين من أعياد مبتدعة، تحت مسمى القومية والوطنية والفرعونية، مثل عيد "شم النسيم" الذي ينتظره المسلمون على أهبة الاستعداد والإعداد؛ ليحتفلوا به كاحتفالهم بـ"عيد الأضحى" أو أشد.
أصل عيد شم النسيم:
عيد "شم النسيم" من أعياد الفراعنة، ثم نقله عنهم بنو إسرائيل، ثم انتقل إلى الأقباط بعد ذلك، وصار في العصر الحاضر عيدًا شعبيًّا يحتفل به كثير من أهل "مصر" من نصارى ومسلمين وغيرهم، ويقع في الخامس والعشرين من شهر "برمهات"، وكانوا يعتقدون -كما ورد في كتابهم المقدس عندهم- أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدء خلق العالم.
وأطلق الفراعنة على ذلك العيد اسم "عيد شموش" أي: بعث الحياة، وحُرِّف الاسم على مر الزمن، وخاصة في العصر القبطي إلى اسم "شم" وأضيفت إليه كلمة "النسيم" نسبة إلى نسمة "الربيع" التي تعلن وصوله.
يرجع بدء احتفال الفراعنة بذلك العيد رسميًّا إلى عام "2700 ق.م" أي: في أواخر الأسرة الفرعونية الثالثة، ولو أن بعض المؤرخين يؤكد أنه كان معروفًا ضمن أعياد هيليوبوليس ومدينة "أون"، وكانوا يحتفلون به في عصر ما قبل الأسرات.
انتقال "شم النسيم" من الفراعنة إلى اليهود ثم إلى النصارى:
نقل بنو إسرائيل عيد "شم النسيم" عن الفراعنة لما خرجوا من "مصر"، وقد اتفق يوم خروجهم مع موعد احتفال الفراعنة بعيدهم.
واحتفل بنو إسرائيل بالعيد بعد خروجهم ونجاتهم، وأطلقوا عليه اسم "عيد الفصح"، و"الفصح" كلمة عبرية معناها: الخروج، كما اعتبروا ذلك اليوم رأسًا لسنتهم الدينية العبرية؛ تيمنًا بنجاتهم وبدء حياتهم الجديدة.
وهكذا انتقل هذا العيد من الفراعنة إلى اليهود، ثم انتقل عيد "الفصح" من اليهود إلى النصارى؛ وجعلوه موافقًا لما يزعمونه من قيامة "المسيح"، ولما دخلت النصرانية "مصر" أصبح عيدهم يلازم عيد المصريين القدماء -الفراعنة-، ويقع -دائمًا- في اليوم التالي لـ"عيد الفصح" أو "عيد القيامة".
علاقة "شم النسيم" بالعقيدة النصرانية:
تبدأ شعائر النصارى بـ"الصوم الكبير" ويستمر أربعين يومًا تبدأ بأربعاء يسمونه: "أربعاء الرماد"؛ حيث يضعون الرماد على جباه الحاضرين ويرددون: "من التراب نبدأ وإليه نعود"، ثم بعد تمام الأربعين خمسون يومًا تنتهي بـ"عيد الخمسين" أو "العنصرة"، ثم "أسبوع الآلام"، وهـو آخر أسبوع في فترة الصوم، ويشير إلى الأحداث التي قادت إلى صلب "المسيح" -عليه السلام- وقيامته -كما يزعمون-.
يبدأ "أسبوع الآلام" بـ"أحد السعف"؛ وهو يوم الأحد الذي يسبق أحد "الفصح"، وهو إحياء ذكرى دخول "المسيح" بيت المقدس ظافرًا، ويسمى -أيضًا- "أحد الشعانين" و"أحد السعانين" و"أحد الأغصان"، يتلوه "خميس العهد" أو الصعود، ويشير إلى العشاء الأخير للمسيح واعتقاله وسجنه، ثم "الجمعة الحزينة"؛ وهي السابقة لـ"عيد الفصح"، وتشير إلى موت "المسيح" على الصليب -حسب زعمهم-، ثم "سبت النور"، وهو يوم الانتظار وترقب قيام "المسيح" أحد "عيد الفصح"، والذي يتبعه مباشرة الاحتفال بـ"شم النسيم" يوم "الاثنين" بعده.
وكما ترى فعيد "شم النسيم" لا يكون إلا يوم "الاثنين" بسبب ارتباطه الوثيق بالشعائر النصرانية الوثنية، التي يزعمون فيها صلب "المسيح" الذي يعتقدون أنه ابن الله ثم قيامته يوم الأحد الذي يسبق "شم النسيم".
قال -تعالى-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا. إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) (مريم:88-95).
حكم الاحتفال بعيد "شم النسيم":
1- "شم النسيم" عيد فرعوني، ثم يهودي، ثم نصراني؛ فكيف يسوغ لمسلم أن يتشبه بكل هؤلاء مع علمه بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التشبه بغير المسلمين بقوله: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)". "اقتضاء الصراط المستقيم 1/314".
وقد كان من صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- مخالفة أهل الكتاب، كما جاء في "صحيح مسلم" من أن اليهود قالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئًا من أمرنا إلا خالفنا فيه.
قال عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: "مَنْ بَنَى بِبِلاَدِ الأَعَاجِمِ وَصَنَعَ نَيْرُوزَهُمْ وَمِهْرَجَانَهُمْ، وَتَشَبَّهَ بِهِمْ حَتَّى يَمُوتَ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ حُشِرَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ". "السنن الكبرى للبيهقي 9/234".
2- يحتفل النصارى بهذا العيد بعد احتفالهم بميلاد الرب -الذي يزعمون أنه "المسيح" عليه السلام- ثم موت الرب على الصليب، ثم دفن الرب في القبر، ثم قيامة الرب بعد ثلاثة أيام، فإذا كانت هذه الشعائر والمعتقدات لا يجوز لمسلم أن يشارك النصارى فيها؛ فكيف يجوز له أن يشاركهم فيما بني عليها؟
قال الذهبي -رحمه الله-: "فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به؛ فلا يشاركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم ولا قبلتهم". "تشبه الخسيس بأهل الخميس"، مجلة "الحكمة عدد4 ص193".
3- نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يذبح لله في مكان يعبد فيه غير الله، فعن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- قال: نذر رجل على عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن ينحر إبلا بـ"بوانة"، فأتى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟) قالوا: لا. قال: (هَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟) قالوا: لا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْفِ بِنَذْرِكَ، فَإِنَّهُ لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
فعد النبي -صلى الله عليه وسلم- الذبح لله في مكان يعبد فيه غير الله معصية، ولم يلتفت إلى نية الرجل؛ فما بالك بمشاركة من يعبدون غير الله في احتفالاتهم بأعيادهم، سواء كانت فرعونية أو يهودية أو نصرانية؟!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهذا يقتضي أن كون البقعة مكانًا لعيدهم مانع من الذبح بها -وإن نذر-، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال، ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها أو لمشاركتهم في التعييد فيها، أو لإحياء شعار عيدهم فيها، ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه... وإذا كان تخصيص بقعة عيدهم محذورًا فكيف نفس عيدهم؟!". "اقتضاء الصراط المستقيم 1/443".
وقال ابن التركماني الحنفي -رحمه الله-: "فيأثم المسلم بمجالسته لهم، وبإعانته لهم بذبح وطبخ وإعارة دابة يركبونها لمواسمهم وأعيادهم". "اللمع في الحوادث والبدع 2/519".
4- لا يجوز تخصيص يوم من أيام السنة لإقامة عيد مبتدع فيه، فالأعياد في الإسلام من العبادات التي لا تشرع إلا بدليل، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: (مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "لا يحل للمسلمين أن يتشبهوا بهم في شيء مما يختص بأعيادهم؛ لا من طعام، ولا لباس، ولا اغتسال، ولا إيقاد نار، ولا تبطيل عادة من معيشة أو عبادة أو غير ذلك، ولا يحل فعل وليمة، ولا الإهداء، ولا البيع بما يستعان به على ذلك لأجل ذلك، ولا تمكين الصبيان ونحوهم من اللعب الذي في الأعياد ولا إظهار الزينة، وبالجملة: ليس لهم أن يخصوا أعيادهم بشيء من شعائرهم، بل يكون يوم عيدهم عند المسلمين كسائر الأيام". "مجموع الفتاوى 25/329".
وقال -رحمه الله-: "وكما لا نتشبه بهم في الأعياد فلا يعان المسلم في ذلك، بل ينهى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم؛ لم تـُجب دعوته، ومن أهدى من المسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد؛ لم تقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه، ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر". "اقتضاء الصراط المستقيم 2/519".
6- قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر؛ فهو من المحرمات، وهو بمنـزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشد مقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبدًا بمعصية أو بدعة أو كفر؛ فقد تعرض لمقت الله وسخطه". "أحكام أهل الذمة 1/441".
7- قال الشيخ علي محفوظ -رحمه الله-: "وناهيك عما يكون من الناس من البدع والمنكرات والخروج عن حدود الدين والأدب في يوم "شم النسيم"، وما أدراك ما "شم النسيم"؟ هو عادة ابتدعها أهل الأوثان؛ لتقديس بعض الأيام تفاؤلاً به أو تزلفًا لما كانوا يعبدون من دون الله، فعمرت آلافًا من السنين حتى عمت المشرقين، واشترك فيها العظيم والحقير، والصغير والكبير.." إلى أن قال: "فهل هذا اليوم -يوم "شم النسيم"- في مجتمعاتنا الشرعية التي تعود علينا بالخير والرحمة؟ كلا، وحسبك أن تنظر في الأمصار -بل القرى-، فترى في ذلك اليوم ما يُزري بالفضيلة، ويخجل معه وجه الحياء من منكرات تخالف الدين، وسوءات تجرح الذوق السليم، وينقبض لها صدر الإنسانية".
ثم قال: "فعلى من يريد السلامة في دينه وعرضه أن يحتجب في بيته في ذلك اليوم المشئوم، ويمنع عياله وأهله وكل من تحت ولايته عن الخروج فيه حتى لا يشارك اليهود والنصارى في مراسمهم، والفاسقين الفاجرين في أماكنهم، ويظفر بإحسان الله ورحمته". "الإبداع في مضار الابتداع 276-277.
8- قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "تهنئة الكفار بعيد "الكريسميس" أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيّم -رحمه الله- في كتابه "أحكام أهل الذمة"، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يُهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلِمَ قائله من الكفر؛ فهو من المحرّمات، وهو بمنزلة أن يُهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثمًا عند الله وأشدّ مَـقتًا من التهنئة بشرب الخمر، وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدِّين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّـأ عبد بمعصية أو بدعة أو كـُـفْرٍ؛ فقد تعرّض لِمقت الله وسخطه". انتهى كلامه -رحمه الله-.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حرامًا وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم؛ لأن فيها إقرارًا لما هم عليه من شعائر الكفر، ورِضىً به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يَحرم على المسلم أن يَرضى بشعائر الكفر أو يُهنئ بها غيره؛ لأن الله -تعالى- لا يرضى بذلك، كما قال -تعالى-: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) (الزمر:7)، وقال -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة:3).
وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا، وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نُجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله -تعالى-؛ لأنها إما أعياد مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نـُسِخت بدين الإسلام الذي بَعَث الله به محمدًا -صلى الله عليه وسلم- إلى جميع الخلق، وقال فيه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85).
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام؛ لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها؛ لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يَحرم على المسلمين التّشبّه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا، أو توزيع الحلوى أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تشبّه بقوم؛ فهو منهم). قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم": مُشابهتهم في بعض أعيادهم تـُوجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء. انتهى كلامه -رحمه الله-.
ومَنْ فَعَل شيئا من ذلك؛ فهو آثم، سواء فَعَلَه مُجاملة أو تَودّدًا أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب؛ لأنه من المُداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بِدينهم.
والله المسئول أن يُعزّ المسلمين بِدِينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم. إنه قويٌّ عزيز". "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 3/44-46".
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، والحمد لله رب العالمين.
مراجع للبحث:
"اقتضاء الصراط المستقيم"، لشيخ الإسلام ابن تيمية.
"أحكام أهل الذمة"، للإمام ابن القيم.
"أعياد الكفار وموقف المسلم منها"، لإبراهيم بن محمد الحقيل.