كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالكذب من أشنع الصفات السيئة التي ينحدر إليها الإنسان، إنه مادة النفاق، ورائد صاحبه إلى كل خسار، يخسر دينه إن كان كاذباً في إيمانه، ويخسر الناس لو اكتشفوا كذبه، وذلك واقع لا محالة، فهو صفة ذميمة وعاقبتها وخيمة، ولا تليق بحال بالصائم؛ لذا سأفرد للحديث عنها عدة مقالات.
أخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم قال: كانوا يقولون: الكذب يفطر الصائم.
والكذب على عباد الله -تبارك وتعالى- مما يتبع الغضب، وهو من أكثر الأخلاق الفاسدة التي يحرص الشيطان على إغوائك إليها، فأعظم الكذب على عباد الله أن تكفر مؤمناً وأنت كاذب، أن تقول: قال كذا فكفر به، وأنت تعلم أنه لم يقله، وهذا ظلم وربما أدى بك إلى الخروج من الدين، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا) رواه البخاري.
وكذلك إذا اتهمته بما يلعن به أو يفسق به أو يبدع به وليس كذلك، فأنت أحرى بهذا الوصف يرجع عليك، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتِ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دُونَهَا ثُمَّ تَهِبْطُ إِلَى الأَرْضِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وَشِمَالاً فَإِذَا لَمْ تَجِدْ مَسَاغًا رَجَعَتْ إِلَى الَّذِى لُعِنَ فَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَهْلاً وَإِلاَّ رَجَعَتْ إِلَى قَائِلِهَا) رواه أبو داود، وحسنه الألباني.
إذاً الافتراء على المؤمنين من الكبائر العظيمة، ومن هذه الفرى اتهامهم بالزنا، وقد نص الله -تبارك وتعالى- على أن هذا كبيرة عظيمة توجب عقوبات ثلاث كما قال -تبارك وتعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور:4).
فهذه ثلاث عقوبات لمن قال عن مؤمنة، أو محصنة: إنها زانية، أو إنها بغي، أو إنها بنت زنا، أو إن أمها كذا، أو نحو ذلك كله. إذا اتهمت مسلمة محصنة بالزنا، فلا شك أنه إما أن يكون ذلك صدقاً أو لا يكون، فالكذاب في هذا الأمر له عقوبة أخروية شديدة قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(النور:23).
ورمي المُحصَنين كرمي المُحصَنات، أعني أن من رمى مؤمناً محصناً ذكراً فكذلك حكمه حكم من رمى محصنة؛ وهذا الادعاء -صدقاً كان أو كذباً- في الشرع لا يقبل إلا بأن يأتي الرامي بأربعة شهداء يشهدون على هذا كما قال -تبارك وتعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَة)(النور:4).
فأولى به أن ينصحهم ويزجرهم. فالرمي بالزنا كبيرة من الكبائر، وهو من الآثار القبيحة للكذب، وما يجره على المجتمعات وبيل العاقبة.