كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد قال -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)(البقرة:185).
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أنزل القرآن جملة من الذكر في ليلة أربع وعشرين من رمضان فجعل في بيت العزة"، وفي الصحيحين عنه -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) متفق عليه.
قال ابن رجب -رحمه الله-: "دل الحديث على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعرض القرآن على من هو أحفظ له، وفيه دليل على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان".
وقال صاحب الظلال: "والقرآن كتاب هذه الأمة الخالد، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور فأنشأها النشأة، وبدلها من خوفها أمناً، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي بها صارت أمة، ولم تكن من قبل شيئاً، وهي بدون هذه المقومات ليست أمة، وليس لها مكان في الأرض، ولا ذكر في السماء، فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم الشهر الذي نزل فيه القرآن".
يا أخي.. كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جاء رمضان، أشعر أمته بأنه شهر القرآن، فكان يحتفي بالقرآن احتفاءً خاصا يتميز عن سائر السنة، حيث يدرس القرآن مع من نزل عليه به، جبريل -عليه السلام-.
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- المتقدم، أن الدراسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً، فيدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً؛ فإن الليل تنقطع فيه الشواغل، ويجتمع فيه الهم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر، كما قال -تعالى-: (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلا)(المزمل:6).
فيا أخي.. اعلم رحمني الله وإياك أن تلاوة القرآن، من أعظم أنواع التجارة مع الله؛ ألم تسمع إلى قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌَ)(فاطر:29).
واعلم أن تلاوة القرآن هي وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلو شأنك في الأرض وفي السماء، اسمع إلى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أوصيك بتقوى الله تعالى فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض) رواه أحمد، وحسنه الألباني.
أخي.. كان السلف -رحمهم الله- إذا دخل رمضان أقبلوا على القرآن وتركوا سائر العلوم.
ـ كان الزهري -رحمه الله- إذا أقبل رمضان يقلع عن التحديث ويقول: "إنما هو لتلاوة القرآن وإطعام الطعام".
ـ وروي عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في رمضان ثلاثين ختمة، وأن بعضهم كان له ستون ختمة، وذلك لبركة الزمان، وإن كان الأولى موافقة هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث) رواه الترمذي وأبو داود، وصححه الألباني.
فيا أخي.. هيا نقبل في رمضان على كتاب الله قراءة وتدبراً وعملاً.
وإليك بعض آداب قراءة القرآن ليكتمل الفضل ويعظم الأجر:
1- يستحب للقارئ أن ينظف فمه، ويستقبل القبلة ويجلس متخشعاً بسكينة ووقار.
2- إذا أراد القراءة، تعوذ وجهر بها، قال -تعالى-: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)(النحل:98).
3- إذا شرع في القراءة، فليكن شأنه الخشوع والتدبر والخضوع، فهو المقصود، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)(ص:29).
وقد كان جماعة من السلف يردد أحدهم الآية جميع ليلته أو معظمها.
4- ويسن تحسين الصوت بالقراءة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن) متفق عليه.
5- ويستحب البكاء عند القراءة من غير أن يتكلفه، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً . وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)(الإسراء: ).
6- يستحب ترتيل القرآن قال -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(المزمل:4).
7- ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله -تعالى- من فضله، وإذا مر بآية عذاب أن يستعيذ من العذاب أو من الشر ونحو ذلك، لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
8- ويستحب طلب القراءة من حسن الصوت والإصغاء إليها، لثبوته عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
9- استحب بعض العلماء افتتاح مجلس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن.
10- ينبغي للقارئ أن يبتدئ من أول السورة، أو من أول الكلام المرتبط، ويقف على آخرها، أو آخر الكلام المرتبط بعضه ببعض.
11- وإذا ختم القرآن فيستحب له أن يكون في يومه صائماً، فقد استحب جماعة من السلف أن يختم القراءة بالدعاء صائماً.
12- فقد ثبت عن أنس -رضي الله عنه- أنه كان إذا أراد الختم جمع أهله ودعا.
فيا أخي..
هيا بنا في شهر القرآن نغتنم الحسنات الكثيرة، ونقبل على القرآن. قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) رواه الترمذي، وصححه الألباني.
هيا بنا في شهر القرآن، ننال عز الدنيا والآخرة بقراءة القرآن، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين) رواه مسلم.
هيا بنا في شهر القرآن ننال حصانة القرآن يوم القيامة بتلاوة القرآن، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه) رواه مسلم.
هيا بنا في شهر القرآن نأخذ بأسباب الرقي في الجنة يوم القيامة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يقال لصاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلك عند آخر آية تقرؤها) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني.
فاللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصتك، واجعله ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا.