كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
ففي قوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم:21)، وفي قوله: (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) وتفسيره من جنسكم، أو أن آدم خلقت منه حواء، كما دلَّت الأحاديث الصحيحة، والظاهر أنه لا تعارض بين المعنيين إذا أن بداية خلق المرأة من الرجل، وهي كذلك من جنسه، وكل من الأمرين من أعظم أسباب السكن والمودة والرحمة، لأن الشيء إذا كان أصله من شيء آخر فإن السكن يحصل بينهما بالضم والجمع بينهما، وذلك قد يحصل بالروح، وقد يحصل بالبدن، وقد يحصل بهما معاً، وهذا أعظم سكن، وإنما استمراره يكون في الجنة.
وضم الروحين وجمعهما أعظم أثراً بمراحل في السكن والحب من ضم الجسد، فكم من مجتمعين بالبدن، ولكن لا توجد إلا لذة البهائم، ولا معنى للحب الحقيقي، وكم من متفرقين بالبدن، ولكن بينهما من الحب والود ما يغني عن اجتماع الأبدان.
فائدة:
في مقارنة بين شخصية امرأة العزيز وبين شخصية سارة زوجة إبراهيم -عليه السلام-، وتفاوت ما بينهما، وعاقبة كل منهما المذكورة في القرآن، فسارة صَحِبتْ إبراهيم -عليه السلام-، وهي من أجمل نساء العالمين يُرغب فيها أعظم الرغبة، وأحد الأقوال أنها ابنة ملكهم، والقول الآخر إنها ابنة عم إبراهيم، على أية حال كانت يُرغب فيها، ومع ذلك آثرت فراق الأهل والوطن والعز الظاهر، حفاظاً على الدين، وهاجرت مع إبراهيم -عليه السلام-، ثم كان البلاء بعد الإنجاب، وكونها عقيم، وهو أمر مؤلم جداً للمرأة، نلمس هذا لألم في قولها بعد كبرها فيما قصَّ الله عنها: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ)(الذاريات:29)، وهي قد سمعت إبراهيم يدعو ربه: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)(الصافات:100)، وتجد نفسها لا تصلح لذلك فتصبر رغم ألمها، ثم يكون ابتلاء آخر بالملك الكافر الذي يضطر إبراهيم لتركها معه، ويكتفي بالدعاء ولصلاة، إذْ يعجز عن أكثر من ذلك، وتدعو هي فينجيها الله منه، ويُخدمها هاجر، فتعود إلى إبراهيم بها، ثم تُضحي رغم حبها العظيم لزوجها، وحب الاستئثار بلا شك، لكن تُضحي، وتهب له هاجر، لتكون سُرية له، عساه يُرزق منها من الصالحين، وبالفعل قد كان، فحملت هاجر، وغارت سارة.
ولعل هذا هو النقص الذي من أجله لم تذكر في من كَمُلَ من النساء الأربع "مريم وآسية وخديجة وفاطمة"، ولكن الرحمة ومراعاة الفضل السابق يقتضي جبر خاطرها، فاتخذت هاجر المنطقة لتخفي أثرها عن سارة، لا أنها شمتت فيها صنع النساء الجاهلات، ثم لابد من ظهور الأمر، وولدت هاجر فزادت الغيرة حتى لزمت المفارقة، فكان جبر خاطرها بأن يرحل إبراهيم بهاجر وابنها إلى بيت الله الحرام، ليقيموا الصلاة، ويُخفي إبراهيم في نفسه شيئاً اللهُ يعلمه، ويعلم أن من أسباب المجيء بابنه وأمه إلى مكة بالإضافة إلى عمارة البقعة المباركة والمسجد الحرام أمر سارة وغيرتها.
ثم تكون المجازاة لسارة بعد ذلك بأن توهب إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، جزاء الصابرين، وجزاء من ضحى في سبيل الله.
أما امرأة العزيز فكانت في منصب الملك، وتريد الحرام من يوسف -عليه السلام-، وهو في بيتها، فكم من الفرق بين من يطلبها الملك، فتمتنع وتدعو الله، وبين من تطلب فتاها في الحرام، فيمتنع، أي الحُبَّين هو الحقيقي؟ لاشك أن سارة كانت في المنزلة السامية الرفيعة.