كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فأحمد الله الذي جعل أمر المؤمن كله خيراً له (إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.
وإذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو أكرم الخلق على الله قد أوذي، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَدْ أُوذِيتُ فِى اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِى اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.
وكذلك أوذي أولياء الله -عز وجل-، قال -تعالى-: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)(آل عمران:195).
من أعظم حكم تقدير البلاء أن يعرف الإنسان قد نعمة الله بالعافية؛ ليكون ذلك أدعى لحسن شكرها، فهل -مثلاً- نشكر الله على نعمة الليل والنهار والشمس والقمر التي ذكَّرنا الله بفضله علينا بقوله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ)(إبراهيم:33)، فإنما يعرف قدر هذه النعمة من عاش في مكان لا يعرف فيه ليلاً ولا نهاراً، ولا يرى شمساً ولا قمراً.
مثل آخر: نعمة إطلاق اليد، وسلامة أجزاء البدن من جِلدٍ وسَمْع وبَصَر، ويَد ورِجْل، وبَطن ودَمٍ يجري في العروق، وعدم ألم هذه الأجزاء، كم من الناس يحمد الله عليها؟ الإنسان في غفلة يراها أمراً عادياً جداً، أو حقاً مكتسباً لابد له منه، فإذا أصيب أو سَمِعَ أو رأى مصاباً، أدرك عظمة النعمة، وأنها ليست بيد أحد من الناس؛ فالمؤمن والكفار، والعدل والظالم، والبر والفاجر كلهم مقهورون، لا شيء بأيديهم، وما أعطاهم الله من نعمة فمنه وحده لا شريك لهن وإذا أمسك شيئاً منها فلا مُرسل له من بعده، وهو العزيز الحكيم.
فيشهد العبد ملك الله -تعالى- وغناه، وفقرَ العباد جميعاً الذين لا يتحرك لهم طرف، ولا ينطق لهم لسان، ولا يقع في قلوبهم فكرة إلا بأمر الملك الحق، لا إله إلا الله ولا رب سواه.
وإذا استحضر الإنسان ذلك هَانَ عليه أمرُ مَنْ أمَامَه، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قال -تعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)(الأنعام:43)، فهذا من حكمة تقدير البلاء على أهل الإيمان؛ ليستخرج الله منهم أنواعاً من العبودية لم تكن تحصل إلا بوجود البلاء، فالله خلق الكفار والظالمين والمنافقين لأجلنا، أي لأجل أن نعبده في معاملتنا إياهم، بالصبر على أذاهم، والدعاء والانكسار لله عند تسلطهم الذي يقدر الله على رفعه عنا في لحظة (وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)(القمر:50).