كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالله -تعالى- هو الأول والآخر والظاهر والباطن، بدأ خلقه من العدم، ويصيرهم حتماً مقضياً إلى الموت، حقيقة يقينية يعلمها كل إنسان، ولا يستشعرها إلا أقل القليل من بني الإنسان، فما أسرع مرور الأيام!
كم أتذكر لحظة الموت: (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ . تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ . فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ . وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ . فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ . وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ . فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(الواقعة:83-96).
جعلنا الله من عباده المخلصين، ويتردد قلمي حياءً من الله أن أقول من المقربين، ولكن نسأل الله أن يجعلنا منهم بفضله ومَنِّه، لا بعملنا ولا بصفاتنا، ولا بأحوالنا، اللهم غَفْراً.
أتذكر آخر اللحظات في حياة بعض الأحبة، وكيف يصل الضعف البشري إلى منتهاه، والألم إلى الغاية التي يعجز الإنسان فيها عن أن يعبر عن معاناته ولو بكلمة "آه"، اللهم خفف عنا سكرات الموت، ولا تجعل علينا بعد الموت كرباً.
أعلم أن الكلام مؤلم، لكنه موقظ من الغفلة عن المصير المحتوم الذي يأتي أكثر الخلق وهو حائدون عنه وعن الاستعداد له (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(ق:22).
فكيف بيوم القيامة وأهواله؟ إذا كنا نتألم من فراق أيام وشهور مع رجاء القرب وأمل البقاء، فكيف بفراق طوله دهور لا يعلمها إلا الله؟ فكيف بالخسران المبين؟! نعوذ بالله من النار ومن حال أهل النار.
والعجب أن هذه الأمور كلها من الفراق بالموت، وحصول سكراته، وما بعده من أهوال القبور، ثم البعث والنشور، أمر لا مفر منه لأحد، قد وجد جزءاً منه -وهو الموت والقبر- ملايين الملايين من البشر الذين ذهب الله بهم، وأتى بنا نحن الخلق الجديد، ثم نذهب ونصبح ذكرى، ويعيش الناس بعدنا، ويبكون علينا قليلاً، ثم يضحكون كثيراً، وتستمر الحياة، ثم يرحل أيضاً الباكون والضاحكون، يغيب الإنسان في غياهب النسيان إلا من دعوة مسلم صادق محب للمسلمين.
يحتاج الإنسان لكثير من البكاء؛ لكي يغسل أدران قلبه، ويوقظ نفسه من غفلتها، ويأخذ بها إلى الحضور بين يدي الله، فالإنسان لا يحضر بين يدي ربه بالضحك في هذه الدنيا، بل بالبكاء.
وسبحان الله، يجد فيه الراحة والسعادة التي لا توصف، والبصيرة بالحقائق والشعور بالقرب من الخالق المدبر الأول الآخر!
ولكن العجب أن الإنسان يفضل كثرة الضحك بحثاً عن سعادة وهمية، كسحابة صيف، أو كطيف يزور الخاطر سرعان ما يزول.