الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 23 مارس 2025 - 23 رمضان 1446هـ

كلمات وفاء في رحيل ابن الدعوة البار "الشيخ صبحي شمس"

كتبه/ أحمد السيد حمدون 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الحديث عن الشيخ الحبيب والأخ القريب الأريب "صبحي شمس" حديث تختلط فيه الذكريات والمواقف، مع ألم الفقد والشعور بالحنين إلى لقياه، والتمتع بالنظر إليه، والشبع من محياه الذي تعودنا عليه في لقياه؛ فقد كان يلقانا بالبشر والسرور مع مبالغة في الحفاوة ومحبة نحسبها صادقة، نابعة من قلب صادق محب لإخوانه، متواضع لهم، خافض الجناح.

إن العلاقة بيني وبين الشيخ صبحي كانت علاقة يختلط فيها الجانب الإنساني بالجانب الاجتماعي بالجانب الدعوي والالتزامي؛ كانت علاقة أخوية مكتملة الأركان!

إنه يصعب عليَّ الكتابة عنه؛ فقلبي يشارك قلمي، ويؤثر عليه بألمه في فقده بعد طول مصاحبة ومرافقة وأُخوة- نحسبها صادقة-؛ فيشتت الألم الأفكار التي يكتبها قلمي، وكأن قلبي يريد لقلمي أن يبكي معبِّرًا عن ألم القلب ليندمل الجرح، ولا أحسبه يندمل! ولولا تصبري بفقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتذكر فقده؛ لما صبرنا على لأواء الفقد للأحبة أجمعين.

مواقف ومآثر الشيخ صبحي -رحمه الله-: 

1- كان -رحمه الله- آيةً في التواضعِ، وهضمِ النفسِ، وخفضِ الجناحِ لإخوانِهِ، مع ودٍّ صادقٍ، وحنوٍّ على إخوانِهِ، وصبرٍ عليهم عجيبٍ مع الصغيرِ والكبيرِ، والمواقفُ في ذلك أكثرُ من أنْ يتمَّ حصرُها، وهذا يعرفُهُ عنهُ القريبُ والبعيدُ -رحمه الله تعالى-. 

2- كان -رحمه الله- صلبًا في دعوتِهِ إلى منهجِ أهلِ السنةِ والجماعةِ، لا يقبلُ أنْ يرى انتشارًا لبدعةٍ، أو مخالفةٍ منهجيةٍ، فتراهُ يقفُ لذلك كالأسدِ الهَصورِ في الذودِ عن حياضِ أهلِ السنةِ في البقعةِ التي يسكنُ فيها، وما حولَها، قائمًا بالدعوةِ إلى السنةِ تدريسًا، وخطابةً، ودعوةً، ودفاعًا من شبابِهِ إلى أنْ أكلَ منهُ الزمانُ وشربَ، وابيضَّ شعرُهُ، فهو علامةٌ مميزةٌ في مكانِهِ على وجودِ منهجِ أهلِ السنةِ، وثباتِ منهجِهم، هو وتلاميذُهُ وإخوانُهُ معهُ -رحمه الله-. 

3- كان -رحمه الله- ساعيًا في الإصلاحِ بين الناسِ، وكم من مظلمةٍ قدرَ اللهُ أنْ تُرفعَ بسببِهِ، أو حقٍّ يُعادُ إلى أصحابِهِ، أو بيتٍ يُنقذُ من الخرابِ بسببِ تدخلِهِ، وسعيِهِ في لَأْمِ جراحِهِ! وكذا كان دَيْدَنُهُ، لا يكلُّ، ولا يملُّ، ولا يغلقُ بابَهُ في هذا الأمرِ في وجهِ الناسِ، رغم مشقةِ هذا الأمرِ، والتعرضِ للأذى بسببِهِ أحيانًا، لكنْ كان يصبرُ، ويصابرُ، جعلهُ اللهُ في موازينِ حسناتِهِ. 

ومن ذلك مرةٌ أذكرُها في أحدِ المراتِ في جلسةِ صلحٍ، وكان مريضًا جدًا، فاتصلتُ بهِ ساعتَها، وقلتُ لهُ: نرجو أنْ تحضرَ معنا، فتحاملَ على نفسِهِ رغم مرضِهِ -رحمه الله تعالى-، وأتى. 

4- كان -رحمه الله- حريصًا على التعلُّمِ والمعرفةِ، حتى ممن يصغرُهُ في السنِّ من أبناءِ الدعوةِ، فيستفيدُ من الصغيرِ والكبيرِ دون تشوُّفٍ لتقديمِ نفسِهِ على غيرِهِ، أو الحرصِ على منصبٍ شرعيٍّ، أو دعويٍّ، أو غيرِ ذلك، بل إنْ كان في المقدمةِ كان في المقدمةِ، وإنْ كان في الساقةِ كان في الساقةِ، المهمُّ هو العملُ للدينِ، ولنصرتِهِ، وانتشارِ السنةِ، مع مواظبةٍ تامةٍ على التزاماتِهِ الدعويةِ والإداريةِ، داعمًا لأيِّ عملٍ علميٍّ، أو دعويٍّ، طالما أنه لنصرةِ الدينِ. 

5- كان -رحمه الله- متفقدًا لإخوانِهِ، مراعيًا لهم في كافةِ أحوالِهم من حزنٍ وفرحٍ، أو احتياجٍ، وكان يسعى في حاجتِهم، حتى دون أنْ يُخبِروهُ، أو يطلبوا منهُ، فتجدُهُ يسعى في حاجةِ أخيهِ الماديةِ والمعنويةِ، فمن كان عليهِ دينٌ مثلًا، أو حمالةٌ، سعى في عونِهِ، ومن كان عندَهُ زواجٌ، سعى في إعانتِهِ، ومن المواقفِ التي لا أنساها أنني، وفي وقتِ التجهيزِ لزواجي من نحوِ أكثرَ من عشرينَ سنةٍ، فوجئتُ بهِ يتصلُ بي بأنه قادمٌ بالسيراميكِ اللازمِ للمطبخِ والحمامِ هديةً منهُ لي في تحضيرَ الشقةِ، وأتى بنفسِهِ مع السيارةِ، وطفقَ يحملُ الكراتينَ بنفسِهِ، ويصعدُ بها بنفسِهِ، جعلهُ اللهُ ذلك في موازينِ حسناتِهِ، وهكذا كان دائمًا بَذولًا كريمًا مع إخوانِهِ وعامةِ الناسِ. 

ومن ذلك أنه كان يكلمني أحيانًا في إعانةِ إخوانِهِ إنْ كان عندي سبيلٌ، أو أنْ أكلمَ أحدَ الناسِ لذلك، وفي نفسِ الوقتِ يتعففُ هو لنفسِهِ، حتى ولو كان ظاهرَ الاحتياجِ، ولقد كنتَ تدخلُ بيتَهُ، فتجدُهُ بسيطًا جدًا، ثم تمرُّ السنونَ، فتجدُهُ على حالِهِ كما هو بلا تغييرٍ. 

هذا كله غيرَ سعيِهِ على الأرملةِ والمسكينِ وعامةِ فقراءِ المسلمينَ في ناحيتِهِ، والسعيِ في حوائجِهم بما قُدرَ لهُ، جعلهُ اللهُ في موازينِ حسناتِهِ. 

6- أما قصتُهُ مع الدعوةِ إلى اللهِ في مساجدِ النخلِ وما حولَها، خاصةً مسجدُ التوبةِ، ثم مسجدُ الشهيدِ، ثم مسجدُ الحمدِ، ثم مسجدُ الهدى، وحرصُهُ على نشرِ الدعوةِ حتى أصبحَ كلُّ مسجدٍ ينتقلُ إليهِ منارةً، ونقطةً مضيئةً للدعوةِ، تُمارسُ فيهِ كافةُ أنواعِ الدعوةِ، ويفدُ إليهم الدعاةُ ضيوفًا من كلِّ مكانٍ، من أبرزِها مسجدُ الحمدِ الذي سعى سعيًا حثيثًا في بنائِهِ، ثم أصبحَ بعد ذلك منتدىً للدعوةِ إلى منهجِ أهلِ السنةِ، ليس في الإسكندريةِ وحدها، بل في محافظاتِ مصرَ جميعًا، تُقامُ فيهِ المحاضراتُ والاعتكافاتُ، ويخطبُ فيهِ كبارُ الدعاةِ من جميعِ أنحاءِ مصرَ الذين ينتمونَ إلى منهجِ أهلِ السنةِ، وكان بناءُ المسجدِ ونظامُهُ وترتيباتُهُ على يدِ الشيخِ صبحي -رحمه الله-، وكان يستقبلُ بنفسِهِ الدعاةَ والعلماءَ، ويقومُ على ترتيبِ الأمورِ. 

كان المسجدُ نقطةً مضيئةً في هذهِ الناحيةِ، بل في الإسكندريةِ كلِّها، إلى أنْ تمَّ هدمُ المسجدِ في توسعةِ الطريقِ بعد ذلك. 

وكانت تُقامُ فيهِ -بإشرافِ الشيخِ صبحي- حلقاتُ القرآنِ، والمسابقاتُ، والأعراسُ. 

وقد كانت تُقامُ الأسواقُ الخيريةُ لمساعدةِ أهلِ المكانِ في ملحقاتِ المسجدِ، مع ما أُلحقَ من دارٍ للقرآنِ، ومقرٍّ لجمعيةٍ خيريةٍ، وغيرِ ذلك من الأنشطةِ التي نسألُ اللهَ تعالى أنْ تكونَ في ميزانِ حسناتِ الشيخِ صبحي -رحمه الله تعالى-. 

7- كان -رحمه الله- محبًا لمشايخِهِ، ملازمًا ملاصقًا لهم، شديدَ الانتماءِ إلى هذهِ الدعوةِ، متبنيًا قراراتِها، مدافعًا عنها، ذابًّا عن عرضِ مشايخِها ودعاتِها، مشاركًا في كلِّ الفعالياتِ الدعويةِ والحزبِ، داعمًا بكلِّ أنواعِ الدعمِ المتاحةِ لهُ -رحمه الله تعالى-، حتى لو أتى ذلك على صحتِهِ وحالِهِ البدنيةِ. 

8- كان -رحمه الله- من أهلِ القرآنِ المجازينَ، ذا صوتٍ نديٍّ تسمعهُ تحسبُ أنه يخشى اللهَ، مع قراءةٍ مترسلةٍ على السنةِ. 

وأخيرًا: 

الحديثُ عن الشيخِ صبحي حديثُ عمرٍ قد مضى، وجزءٌ من الحياةِ، وهذهِ الكلماتُ لا تُوفي بقدرِهِ -رحمه الله-. 

وإنما هذهِ إطلالاتٌ على حياتِهِ من بابِ الوفاءِ والإنصافِ، وذكرِ بعضِ المحاسنِ. 

والحديثُ عنهُ فيهِ أسرارٌ كثيرةٌ، قد ندت الذاكرةُ عن بعضِها، أو لم يُحسنْ ذكرَها، والشيخُ لا نُزكيهِ على اللهِ، رحلَ في وقتٍ الجميعُ فيهِ بحاجتِهِ، وفي الليلةِ المظلمةِ يُفتقدُ البدرُ، ولعلَّ الفرصةَ تسنحُ مرةً أخرى، فأكتبَ عنهُ من دُرَرِهِ ومواقفِهِ الكثيرِ -رحمه الله وغفرَ لهُ-.