الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 27 فبراير 2025 - 28 شعبان 1446هـ

إقبال رمضان بين الآلام والآمال

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فإنه لا يخفى على بصيرٍ ما تعيشه الأمة من آلامٍ وهمومٍ وأحزانٍ، والتي من أعظمها أحداث فلسطين، وآلام ومعاناة إخواننا في غزة، وتسلُّط اليهود وأعوانهم على المسلمين، مما يؤلم نفس المؤمن ألمًا شديدًا.

- ولكن من عظيم رحمة الله بنا، أن قدَّر لنا إقبال زمانٍ شريفٍ -شهر رمضان- يحمل من الرحمات ما يتجدَّد به الأمل، ويزداد معه الرجاء في رفع الغمة والبلاء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

- فبعد ساعاتٍ قليلة، سيتحول وجه الأرض في مجتمعات المسلمين وستشيع فيهم مظاهر عظيمة، هي بمثابة الآمال بين هذه الآلام، يرجى منها أن تكون سببًا في رفع البلاء وتخفيف الأحزان، وهي كثيرة والحمد لله، لكننا نقف على بعضها.

- الأول: اجتماع المسلمين على عبادة الصيام:

- فبعد ساعاتٍ قليلةٍ، ومع ثبوت هلال رمضان سنرى تحولًا عجيبًا في عادات وحياة المسلمين؛ سيجتمعون على عبادةٍ عظيمةٍ هي من أحب العبادات إلى الله -تعالى-، وهي عبادة الصيام؛ تلك العبادة التي قال عنها الكريم -سبحانه-: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ) (متفق عليه)، وقال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌عَلَيْكَ ‌بِالصَّوْمِ ‌فَإِنَّهُ ‌لَا ‌مِثْلَ ‌لَهُ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَن صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

- فأمِّلوا في أن يكون ذلك سببًا في رفع البلاء، وتوسلوا إلى ربكم بصيامكم، وليكن شعاركم: (‌عَلَيْكَ ‌بِالصَّوْمِ ‌فَإِنَّهُ ‌لَا ‌مِثْلَ ‌لَهُ).

- الثاني: كثرة القيام بين يدي العَلَّام -سبحانه-:

- بعد ساعات قليلة، ستتحول مساجد وبيوت عامة المسلمين إلى محاريب للصلاة: ليس لصلاة الفريضة فحسب، بل لأفضل تطوعٍ، وهو قيام الليل في رمضان، الذي قال عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

- بعد ساعاتٍ قليلةٍ، ستتحول مساجد المسلمين إلى حالٍ جديدٍ، حيث يُقبِلون على المساجد يرجون فضل صلاة التراويح في جماعةٍ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الرَّجُلَ إذا صَلَّى معَ الإمامِ حتى يَنصرفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيلَةٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- بعد ساعاتٍ قليلةٍ ستنبعث من مساجد وبيوت المسلمين أصوات القُرَّاء بكلام الله العظيم يقومون به ويتهجدون، مستمطرين الرحمات، من رب الأرض والسماوات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَم يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَن قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَن قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- وكل هذه المشاهد يحبها الله ويرضاها؛ فأملوا فيها خيرًا، وتوسلوا إلى الله بها أن يرفع عنا ما نزل بنا، وليكن شعاركم: (اللَّهُمَّ ‌فَإِنْ ‌كُنْتُ ‌فَعَلْتُ ‌ذَلِكَ ‌ابْتِغَاءَ ‌وَجْهِكَ ‌فَافْرُجْ ‌عَنَّا ‌مَا ‌نَحْنُ ‌فِيهِ) (متفق عليه).

- الثالث: مشاهد كثرة الصدقات والتكافل بين المسلمين:

- بعد ساعاتٍ قليلةٍ، ستنطلق قوافل المتصدقين قاصدين بيوت الفقراء والمحتاجين، بل -والحمد لله- قد بدأت مظاهر التصدق والتكافل تظهر قبل رمضان، وشنطة رمضان خير شاهدٍ، يرجون أن يكونوا ممَّن قال الله فيهم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) (الإنسان: 8).

- ومع إقبال رمضان ستزداد هذه الطاعة التي يحبها الله لما فيها من مظاهر التراحم بين المسلمين، فأغنياؤهم يرحمون فقراءهم، ولقد غفر الله لبغيٍّ سقت كلبًا من العطش؛ فكيف بمن يطعم مسكينًا أو فقيرًا صائمًا في رمضان؟!: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- فهذا أملٌ آخر.. فأمِّلوا أن يرفع الله عنا به ما نزل بنا، وتوسلوا إليه بهذه المعاني، وليكن شعاركم: (اللَّهُمَّ ‌فَإِنْ ‌كُنْتُ ‌فَعَلْتُ ‌ذَلِكَ ‌ابْتِغَاءَ ‌وَجْهِكَ ‌فَافْرُجْ ‌عَنَّا ‌مَا ‌نَحْنُ ‌فِيهِ).

- والآمال في رمضان كثيرة، نسترحم بها الرحيم الغفور الكريم الشكور -سبحانه-، ليرفع عنا ما نزل بنا؛ فاجتهدوا وأقبلوا على الطاعات وأكثروا، فإن ذلك من أعظم دواعي رحمة الله بنا، عساه أن يرفع عنا البلاء، وأن يفرج عنا ما نحن فيه.

فاللهم بلغنا رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، والصدقة والقرآن، وسائر الأعمال.

والحمد لله رب العالمين.