الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 20 فبراير 2025 - 21 شعبان 1446هـ

مكارم الأخلاق (18) (الورع) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة:

- الإسلام يحثُّ على مكارم الأخلاق ويدعو إليها: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وفي رواية: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ) (رواه الحاكم والبيهقي، وصححه الألباني)، وقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- من مكارم الأخلاق المنشودة "الورع": عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌فَضْلُ ‌الْعِلْمِ ‌أَحَبُّ ‌إِلَيَّ ‌مِنْ ‌فَضْلِ ‌الْعِبَادَةِ، ‌وَخَيْرُ ‌دِينِكُمُ ‌الْوَرَعُ) (أخرجه الحاكم والبزار وصححه الألباني).

- المقصود بالورع: قالوا: هو تَرْكُ ما يريبك، ونَفْي ما يعيبُك، والأخذ بالأوثق، وحَمْلُ النَّفْسِ على الأشق. وقيل: هو تَجَنُّبُ الشبهات. وقيل: هو تَرْكُ ما يُخْشَى ضَرَرُه في الآخرة.

- من السهولة بمكانٍ أن يكون المُسلِمُ مصليًا أو صَوَّامًا أو قوَّامًا، أو خَطيبًا، أو مُعَلِّمًا أو داعيةً، أو حتى عالِمًا؛ ولكن من الصعوبة بمكانٍ أن يكون وَرِعًا؛ لأنَّ الوَرَعَ رُتْبةٌ عَزِيزة المنال: قال حبيب بن أبي ثابتٍ -رحمه الله-: "‌لَا ‌يُعْجِبُكُمْ ‌كَثْرَةُ ‌صَلَاةِ ‌امْرِئٍ ‌وَلَا ‌صِيَامِهِ، ‌وَلَكِنِ ‌انْظُرُوا ‌إِلَى ‌وَرَعِهِ، ‌فَإِنْ ‌كَانَ وَرِعًا مَعَ مَا رَزَقَهُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادَةِ، فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ حَقًّا". وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْوَرَعِ؛ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ مِثْقَالٍ مِنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ".

- حاجتنا إلى التخلق بهذا الخلق الكريم، والنهج القويم؛ لا سيما وأن أكثر الناسِ اليوم -إلاَّ من رَحِمَ اللهُ- إنما يهمه أنْ يُحقِّقَ مآرِبَه في الدنيا، وينال شهواتها وملذَّاتها دون التفاتٍ إلى الشرع.

(1) شواهد الحث على الورع:

- أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم أن يتورع عن الأشياء التي يشك فيها، وأن يعمل بما فيه راحة النفس والقلب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْ ‌مَا ‌يَرِيبُكَ ‌إِلَى ‌مَا ‌لَا ‌يَرِيبُكَ، ‌فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

قال الحافظ ابن حجر: "والمعنى: إذا شككت في شيء فدعه، وترك ما يُشَكُّ فيه أصل عظيم في الورع" (فتح الباري).

- وحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاقتراب من الأمور المشكوك فيها، وبيَّن أنها تؤدي إلى الوصول إلى الحرام الصريح: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَلَالُ ‌بَيِّنٌ ‌وَالْحَرَامُ ‌بَيِّنٌ، ‌وَبَيْنَهُمَا ‌مُشَبَّهَاتٌ، ‌لَا ‌يَعْلَمُهَا ‌كَثِيرٌ ‌مِنَ ‌النَّاسِ، ‌فَمَنِ ‌اتَّقَى ‌الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) (متفق عليه). قال ابن رجب: "وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى".

(2) أبرز مجالات الورع:

1- الورع في حفظ الجوارح (النظر - السمع - اللسان - الأنف - ...): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌تُتْبِعِ ‌النَّظْرَةَ ‌النَّظْرَةَ، ‌فَإِنَّ ‌لَكَ ‌الْأُولَى ‌وَلَيْسَتْ ‌لَكَ ‌الْآخِرَةُ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

وعن نافع قال: "سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ، مِزْمَارًا قَالَ: فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ، وَنَأَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَقَالَ لِي: يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا؟ قَالَ: فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: فَرَفَعَ إِصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ، وَقَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ‌فَسَمِعَ ‌مِثْلَ ‌هَذَا، ‌فَصَنَعَ ‌مِثْلَ ‌هَذَا" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

"وأُتي عمر بن عبد العزيز بغنائم مسك فأخذ بأنفه، فقالوا: يا أمير المؤمنين: تأخذ بأنفك لهذا؟ قال: إنما ينتفع من هذا بريحه؛ فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين" (الورع لابن أبي الدنيا)، "واطلع عمر بن الخطاب على أبي بكر -رضي الله عنهما - وهو يمدُّ لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حِدَّته"، وعن الفضيل بن عياض قال: "أشدُّ الورع في اللسان" (الورع لابن أبي الدنيا).

2- الورع في الكسب: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا ‌النَّاسُ، ‌إِنَّ ‌اللهَ ‌طَيِّبٌ ‌لَا ‌يَقْبَلُ ‌إِلَّا ‌طَيِّبًا، ‌وَإِنَّ ‌اللهَ ‌أَمَرَ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌بِمَا ‌أَمَرَ ‌بِهِ ‌الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!) (رواه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌أَوَّلَ ‌مَا ‌يُنْتِنُ ‌مِنَ ‌الْإِنْسَانِ ‌بَطْنُهُ ‌فَمن ‌اسْتَطَاعَ ‌أَن ‌لَا ‌يَأْكُل ‌إِلا ‌طيبا ‌فَلْيَفْعَلْ) (رواه البخاري).

3- الورع في العلم والفتوى: قال -تعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء:36)، وقال -تعالى-: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ) (النحل:116). روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول". وقال أبو حصين الأسدي: "إن أحدكم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لجمع لها أهل بدر!". وسئل مالك في مسألة فقال: "لا أدري. فقيل له: إنها مسألة خفيفة، فغضب، وقال: "ليس في العلم شيء خفيف؛ أما سمعت قول الله: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا) (المزمل: 5) (جامع بيان العلم وفضله، وآداب الفتوى والمفتي والمستفتي).

(3) من فضائل الورع:

1- أنَّ الوَرَع عاصِمٌ من الوقوع في المعاصي: قالت عائشةُ -رضي الله عنها- في شأنِ حادثة الإفك: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي، فَقَالَ: (يَا زَيْنَبُ، مَاذَا عَلِمْتِ، أَوْ رَأَيْتِ) فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا، قَالَتْ: ‌وَهِيَ ‌الَّتِي ‌كَانَتْ ‌تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَصَمَهَا اللهُ بِالْوَرَعِ (متفق عليه). وقال الحسَنُ البصريُّ -رحمه الله-: "مَا زَالَت التَّقْوَى بالمُتَّقين حَتَّى تَرَكُوا كثيرًا من الْحَلَال؛ مَخَافَة الْحَرَام".

2- الورع مِنْ أعلى مراتبِ العبادة والإيمان: قال النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: (يَا ‌أَبَا ‌هُرَيْرَةَ ‌كُنْ ‌وَرِعًا، ‌تَكُنْ ‌أَعْبَدَ ‌النَّاسِ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌فَضْلُ ‌الْعِلْم ‌أحَبُّ ‌إِليَّ ‌مِنْ ‌فَضْلِ ‌الْعِبَادَةِ، ‌وَخَيْرُ ‌دِينِكُمُ ‌الْوَرَعُ) (رواه البزار والحاكم، وصححه الألباني).

3- الورع سبب التَّعْوِيضُ بالخير في الدنيا والآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّكَ ‌لَنْ ‌تَدَعَ ‌شَيْئًا ‌لِلَّهِ، إِلَّا بَدَّلَكَ اللهُ بِهِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)(1).

(4) نماذج في الورع:

- ورع معلِّم البشرية -صلى الله عليه وسلم-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْقِيهَا) (متفق عليه). وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أَنَّ الحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: بِالفَارِسِيَّةِ: (كِخْ كِخْ، أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لاَ نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ؟) (متفق عليه).

- ورع الصِّدِّيق -رضي الله عنه-: عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "كَانَ ‌لِأَبِي ‌بَكْرٍ ‌غُلَامٌ ‌يُخْرِجُ ‌لَهُ ‌الْخَرَاجَ، ‌وَكَانَ ‌أَبُو ‌بَكْرٍ ‌يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْغُلَامُ: تَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ" (رواه البخاري).

- ورع الفاروق -رضي الله عنه-: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أن عمر بن الخطاب كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة، فقيل له: هو من المهاجرين، فلم نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه. يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه" (رواه البخاري). قال عبد الله بن المبارك: "لأن أرد درهمًا واحدًا من شبهة، أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة ألف!".

- ورع رجلين صالحين ممن كانوا قبلنا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌اشْتَرَى ‌رَجُلٌ ‌مِنْ ‌رَجُلٍ ‌عَقَارًا ‌لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الْأَرْضَ، وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فَقَالَ الَّذِي شَرَى الْأَرْضَ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الْأَرْضَ وَمَا فِيهَا، قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ، وَقَالَ الْآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلَامَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِكُمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا) (متفق عليه).

خاتمة:

- الورع خُلُق المتقين، ولو لم يكن له ثمرة في الدنيا إلا راحة البال، وسكون النفس، لكفى بها نعمة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌الْبِرُّ ‌حُسْنُ ‌الْخُلُقِ، ‌وَالْإِثْمُ ‌مَا ‌حَاكَ ‌فِي ‌نَفْسِكَ، ‌وَكَرِهْتَ ‌أَنْ ‌يَطَّلِعَ ‌عَلَيْهِ ‌النَّاسُ) (رواه مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌البِرُّ ‌ما ‌سَكَنَتْ ‌إليه ‌النفسُ، واطْمَأنَّ إليه القلْبُ، والإثْمُ ما لَمْ تَسْكُنْ إليه النفسُ، ولَمْ يَطْمئنَّ إليه القَلْبُ، وإنْ أَفتاكَ المُفْتونَ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

- حاجتنا إلى التخلق بهذا الخلق الكريم، والنهج القويم؛ لا سيما وأن أكثر الناسِ اليوم -إلاَّ من رَحِمَ اللهُ- إنما يهمه أنْ يُحقِّقَ مآرِبَه في الدنيا، وينال شهواتها وملذَّاتها دون التفاتٍ إلى الشرع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) العِوَض أنواع مختلفة، وأعظم ما يعوَّض به المؤمن: الإنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه، وفرحه ورضاه عن ربِّه -تعالى-. ولما ترك المهاجرون دِيارَهم وأوطانَهم لله -تعالى- وهي أحَبُّ شيءٍ إليهم؛ عوضهم اللهُ -سبحانه- بأن فتح عليهم الدنيا، ومَلَّكَهم شَرْقَ الأرضِ وغربَها. وقد يكون هذا التَّعْوِيض في الآخرة؛ فإنَّ ثوابَ الآخرة أعظَمُ من الدنيا كُلِّها مَهْمَا عَظُمَتْ، وجميعُ ما في الدنيا لا يُساوِي ذَرَّةً مِمَّا في الجنة.