الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 18 فبراير 2025 - 19 شعبان 1446هـ

من نور السُّنة.. الحياء الكامل (1)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ). قالوا: يا رسول الله، إنا لنستحيي والحمد لله. قال: (لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

وهو حديث عظيم فيه كثير من الفوائد، يحث فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته على الاستحياء من الله حياء كاملًا صادقًا، وهذا من شفقته وحرصه -صلى الله عليه وسلم- على أمته أن يدلهم على كل خير، ويحذرهم من كل شر.

ولا شك أننا في حاجة ضرورية إلى تعقل ما فيه والعمل به، لا سيما وأننا في زمان الصبر والقبض على الْجَمْرِ، الذي أخبرنا عنه -صلى الله عليه وسلم-، والله المستعان.

قوله -صلى الله عليه وسلم-: (حَقَّ الْحَيَاءِ): نائب عن المفعول المطلق للتأكيد؛ أي: حياءً لازمًا صادقًا، وذلك بترك الشهوات، وتحمل المكاره في ذات الله، وفعل المأمورات وترك المنهيات.

فقالوا -رضي الله عنهم-: إنا لنستحيي والحمد لله. أي: نستحيي من الله بتوفيقه سبحانه وتعالى، ولم يقولوا: حق الحياء؛ لاعترافهم بالعجز عنه، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ ذَاكَ). أي: ليس ذاك هو حق الحياء، (وَلَكِنِ الِاسْتِحْيَاءُ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحَى مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ)؛ أي: بحفظ الجوارح عن معاصي الله.

فتحفظ رأسك عن السجود لغير الله، وعن التكبر على خلق الله بميل الوجه عنهم كبرًا وازدراءً، وبذلك تكون الرأس عابدة لربها، ساجدة له، متواضعة له سبحانه، ولعباده.

(وَمَا وَعَى): أي: وما جمعه الرأس من عينين وأذنين، وأنف ولسان وشفتين؛ فتحفظ عينيك عن النظر إلى ما حرم الله، وتحفظ أذنيك عن سماع ما حرم الله من الفحش والخنا، والغناء والموسيقى، وتحفظ أنفك عن شم عطر امرأة لا تحل لك، وشم ما حرمه.

ولتعلم المرأة أنه لا يجوز لها أن تخرج من بيتها متعطرة؛ لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك. فعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌أَيُّمَا ‌امْرَأَةٍ ‌اسْتَعْطَرَتْ ‌فَمَرَّتْ ‌عَلَى ‌قَوْمٍ ‌لِيَجِدُوا ‌مِنْ ‌رِيحِهَا، ‌فَهِيَ ‌زَانِيَةٌ) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).

أي: متعرضة للزنا، متسببة فيه، حيث جعلت الرجال يشرفون للنظر المحرم إليها، وهو زنا النظر، ولربما تطور الأمر بعدها للزنا الحقيقي؛ فإن عصت، ومرت بك؛ فسد أنفك عن شم رائحتها؛ لئلا تشتهيها فتقع في الإثم.

وتحفظ لسانك عن الفحش وهجر القول، ومنه: الكلام المحرم عن الزنا ومقدماته مع امرأة لا تحل لك، كما نسمع عن المحادثات التي تتم على مواقع التقاطع بين رجل وامرأة يسمونه: الزنا الإلكتروني! أي: بالكلام والأفعال المحرمة، وهذا من الزنا.

نسأل الله العافية.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.