تجديد الإيمان بآيات الرحمن (1) فضل سورة البقرة
كتبه/ أحمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
سورة البقرة سورة مدنية، عدد آياتها: مائتان وسبع وثمانون، وتسمَّى أيضًا: الزهراء، والسنام، والفسطاط.
ومن فضلها: ما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
وعن أبي أمامة الباهلي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ). قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. (رواه مسلم). والغياية: ما أظلك من فوقك.
وقد ابتدأت هذه السورة الكريمة بالحروف المقطعة (الم) وتصديرها بهذه الحروف الهجائية يجذب أنظار المعرضين عن هذا القرآن؛ لأن القرآن نزل بلسان عربي مبين، ونزل على أمة عربية فكان ينبغي عليهم أن يكونوا أول مَن آمن! لكنهم لم يفعلوا، بل ادعوا أنه من كلام البشر؛ ولذلك عندما طرقت أسماعهم هذه الحروف المقطعة بهتوا؛ لأنها ألفاظ غير مألوفة في تخاطبهم.
وفي هذه الحروف وأمثالها تنبيهٌ على "إعجاز القرآن العظيم"؛ فإِن هذا الكتاب منظومٌ من عين ما ينظمون منه كلامهم، فإِذا عجزوا عن الإِتيان بمثله، فذلك أعظم برهان على إِعجاز القرآن؛ قال العلامة ابن كثير -رحمه الله-: "إِنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور بيانًا لإِعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها". وعندما تتأمل عظمة القرآن تجد أن القرآن الكريم يثبت إعجازه بأسلوب التحدي وأي تحدي؛ إنه تحدي من الأشد إلى الأضعف؛ فيطلب منهم أولًا أن يأتوا بمثل القرآن: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء: 88)، وبعد ما يتبيَّن عجز الناس عن الإتيان بمثل كل القرآن، يدعوهم أن يأتوا بعشر سور من مثله: (أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (هود: 13).
وبعد أن تبوء كل محاولاتهم بالفشل ويتبيّن عجزهم، يدعوهم إلى الإتيان بسورة واحدة من مثله: (أَمْ يقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَهٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (سورة يونس: 38)، ويظل هذا التحدي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ولهذا كلُّ سورة افتتحت بالحروف، فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبيان إعجازه وعظمته مثل: (الم . ذَلِكَ الكتاب) (البقرة: 1، 2)، (المص . كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ) (الأعراف: 1، 2)، (الم . تِلْكَ آيَاتُ الكتاب الحكيم) (لقمان: 1، 2)، (حم . وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: 1-3)، (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (ق: 1).
وغير ذلك من الآيات الدالة على إعجاز القرآن.
ونكمل في العدد القادم -إن شاء الله تعالى-.