كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقضية المسجد الأقصى هي القضية المحورية في الصراع مع اليهود؛ لأنها قضية إيمانية؛ لأننا نعتقدُ أن المسجد الأقصى أُسِّس مِن أول يوم على التوحيد، وعلى الإيمان بالله وبرسل الله، قال الله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1)، وقال -تعالى-: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) -أي: صلاتكم إلى بيت المقدس بإجماع المفسرين- (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 143).
ولذلك نحن على يقين بأن المسجد الأقصى إسلامي، قد دنَّسه اليهود فنُزِع منهم ودخله بختنصر فدمَّره؛ قال الله -عز وجل-: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا) (الإسراء: 4-5)؛ فهذه المرة الأول كانت لبختنصر.
(ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء: 6)، وهذه على الظاهر عودة بني إسرائيل إلى بيت المقدس مع طالوت، ومع داود -عليه السلام-: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ) (البقرة: 251)؛ الذي أسَّسَ المملكة العظمى في تاريخ بني إسرائيل، ثم نبي الله سليمان -عليه السلام- من بعده.
(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) أي: من المرة الثانية، (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ): عبادُ -أيضًا- أولو بأسٍ شديدٍ، (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي: في التي جاسوا فيها خلال الديار، (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (الإسراء: 7): أي: يدمِّروا ويخرِّبوا، وهذا ليس دخول المسلمين، بل الرومان سنة 70 م؛ لأن المسلمين لا يتبِّرون المسجد، ولا يتبِّرون ما علوْا تتبيرًا، بل يعظِّمون القدس، وهذا الذي حَدَث مع دخول المسلمين إلى القدس في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وأيضًا يوم فتحها على يد صلاح الدين بعد بضع وتسعين سنة من الاحتلال الصليبي.
فالمسجد الأقصى -كما ذكرنا- أُسِّس على الإيمان منذ نشأته وبدايته، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان بين بنائه وبناء المسجد الحرام أربعون سنة؛ كما في حديث أبي ذَرٍّ الغفاري -رضي الله عنه- قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ). قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: (الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى). قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: (أَرْبَعُونَ سَنَةً) (متفق عليه).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما-: عَنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: (أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا بَنَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللهَ عز وجل خِلَالًا ثَلَاثَةً: سَأَلَ اللهَ -عز وجل-: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللهَ -عز وجل-: مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللهَ -عز وجل- حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ، أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
فهو اسمه المسجد الأقصى أو مسجد بيت المقدس، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا بَنَى مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ)، وليس اسمه الهيكل، والمراد بالبناء هنا: بمعنى تجديد بنائه بعد بناء إبراهيم أو إسحاق أو يعقوب، أو هم جميعًا -صلى الله عليهم وسلم-؛ إذ جدَّد سليمان -عليه السلام- بناءه بعد ما عاد المُلك لبني إسرائيل على القدس.
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَسَأَلَ اللهَ -عز وجل- حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ: أَنْ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ لَا يَنْهَزُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ فِيهِ، أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ): فيه فضل المسجد الأقصى، والمسلمون مقتنعون ومعتقدون اعتقادًا يقينيًّا أن المسجد والقدس كلها إسلامية؛ ولذا لا يقبلون التفاوض على ذلك، ولا يعترفون قط، ولا حتى في أسوأ الاتفاقات بحقِّ إسرائيل -المزعوم!- بعاصمة أبدية في القدس!
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي) (متفق عليه).
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَوْ -قَالَ:- خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).