الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 22 يناير 2025 - 22 رجب 1446هـ

مصر أمام حصار يفرض علينا اليقظة والحذر وصدق التوجه إلى الله (2-2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

من تلك المخاطر التي تتعرض لها مصر:

4- نهر النيل صار مهدَّدًا بالتناقص والجفاف:

ارتبطت مصر شعبًا وحضارة بنهر النيل عبر آلاف السنين، فلا تذكر مصر إلا وذكر معها النيل، ولا يذكر النيل إلا وذكرت معه مصر. ثم جاءت الأحداث في العقد الأخير لتهدد مصر في أهم ما تملك؛ في نهرها، شريان الحياة الذي يمدها بالمياه التي لا غِنَى لها عنه، ومصدر هذا التهديد هو قيام إثيوبيا بإنشاء (سد النهضة) قرب حدودها مع السودان بكيفية فيها الكثير من التهديد لمصر، حيث تأتي من إثيوبيا النسبة الأكبر من مياه النيل المتجهة إلى السودان ومصر. 

تم ذلك ويتم من إثيوبيا دون أي مشاورة مع مصر، بل بتعنت وتجاهل لمطالب مصر في الاطلاع على حقيقة مشروع السد ومراجعة تفاصيله الفنية تفاديًا لأي مخاطر أو سلبيات تضر بدولة المصب، وهذا مما أثار -ويثير- الشكوك حول وجود نية الإضرار بمستقبل مصر عاجلًا أو آجلًا، بل قد يقع الضرر على الجميع في ظلِّ التعنت والتصلب في القرار وتنفيذه مع احتمالية الخطأ والضرر فيه؛ إذ إن حجم السد وسعته وتكلفته تعد ضخمة للغاية.  

الحكاية من البداية:

بدأ التفكير في بناء سدِّ النهضة في إثيوبيا منتصف الستينيات من القرن العشرين من خلال دراسات معمقة على حوض النيل الأزرق بدأت عام 1959، واستمرت لعدة سنوات، وضعها مكتب الاستصلاح الأمريكي أحد أهم المؤسسات الأمريكية المختصة بإدارة الموارد المائية، وذلك في أعقاب اتفاقية القرض الروسي لمصر لبناء السد العالي، حيث اتفقت مصر مع السودان من خلال اتفاقية وقعت بينهما عام 1959 على تقسيم فوائض مياه نهر النيل خلف السد العالي ومقدارها 74 مليار متر مكعب بينهما، بحيث يكون نصيب مصر منها 5 و 55 مليار متر مكعب ونصيب السودان منها 5 و 18 مليار. 

وقد أثارت اتفاقية مصر والسودان هذه حفيظة إثيوبيا منذ توقيعها حيث لم تشرك مصر والسودان الطرف الإثيوبي فيها واعتبرتها تجاهلًا لها، رغم أن إثيوبيا لا ضرر عليها من وضع وتنفيذ هذه الاتفاقية في شيء، فهي أشبه باتفاقية خاصة بين البلدين لا تتعلق بمصالح باقي الأطراف المشاركة في حوض النيل بما فيها إثيوبيا، ومن وقتها وإثيوبيا يراودها وضع اتفاقية موازية لتوزيع حصص مياه النيل من جديد على دول حوض النيل، وهو ما سعت إليه من خلال اتفاقية (عنتيبي) في مايو 2010، التي تنتقص من الحصة التاريخية لمصر والسودان من مياه النيل.

تلاقت أغراض إثيوبيا مع الولايات المتحدة في الستينيات على إعادة النظر في التعامل مع مياه النيل، حيث وضع مكتب الاستصلاح الأمريكي خريطة كاملة لعدد من المشروعات المائية على نهر النيل الأزرق تحتجز قرابة 70 مليار متر مكعب من المياه حال تنفيذها كاملة، ومن ضمنها: سد الحدود الذي تحول بعد تطور فكرته إلى ما يعرف حاليًا بسدِّ النهضة.

قدرت السعة الممكنة وقتها لمشروع سد الحدود بأنها لا تزيد عن (11) مليار متر مكعب، نظرًا لوجود وادي بطول 5 كيلو متر غرب جسم سد الحدود يمنع ارتفاع المياه إلى أكثر من السعة المذكورة لمرور أي كميات زائدة عبر هذا الوادي إلى مجرى النهر خلف السد باتجاه السودان، ثم لتحسين مواصفات سد الحدود تم بعد سنوات إقرار مشروع جديد لزيادة سعة خزان السد ببناء سد مكمل آخر (سد السرج) لإغلاق الوادي المذكور بطول 5 كيلو متر وارتفاع 50 متر، وتمت تسمية المشروع ككل باسم: (سد النهضة) بسعة مستقبلية تصل إلى 74 مليار متر مكعب.  

في عام 2010 وما بعده كشفت إثيوبيا عن نواياها في بناء سد النهضة بسعته الهائلة التي يمكن أن تضر بالأمن المائي لمصر رافضة في صلف ولأكثر من عشر سنوات إجراء أي مباحثات أو مفاوضات جادة حول إعادة النظر في -أو تأجيل- بعض عمليات ملء وتشغيل سد النهضة رغم الشكوك المصرية حول مخاطر بناء السد، في غياب التشاور والدراسات الوافية عنه وعن إجراءات السلامة والآثار الاقتصادية والبيئية والاجتماعية للمشروع على دولتي المصب خاصة حال التعرض للجفاف في أي مرحلة قادمة. 

ويعد نصيب الفرد في مصر بحسب حصتها الحالية من ماء النيل (55.5 مليار متر مكعب)، وبعدد سكانها الذي تعدى 100 مليون نسمة نحو نصف النصيب العالمي للفرد من الماء (أي: نصف حد الفقر المائي عالميًّا)؛ كما أن مصر من الدول قليلة الأمطار سنويًّا. ويقدم نهر النيل القادم من خارج مصر نحو 98% من كمية الماء المتوفرة حاليًا في مصر. 

ومما يزيد الأمر سوءًا ما يتردد من مخاوف حدوث فترات جفاف في السنوات القادمة تستنزف مخزون الماء في بحيرة ناصر، و مخاوف الجيولوجيين على سدِّ النهضة بضخامة سعته من الزلازل؛ إذ إن إثيوبيا تعد من أكثر الدول المعرضة للأنشطة الزلزالية والبركانية في إفريقيا، وسد النهضة يقع قرب منطقة زلزالية، مما قد يعرض سد النهضة للانهيار، وأوضحت دراسة أن هناك إزاحة غير متوازية على جانبي سد النهضة؛ مما يعني أن كميات المياه الضخمة الجاثمة فوق القشرة الأرضية للسد قد تؤدي إلى انزلاقات، وأن ضغط المياه على الأرض يمكن أن يؤدي إلى انزلاقات للقشرة الأرضية وزلازل. 

محاولات إثيوبيا لتمرير اتفاقية عنتيبي:

في عام 2010 رفضت مصر والسودان اتفاقية (عنتيبي)، الاتفاقية الإطارية لحوض النيل، لإخلالها بالحقوق التاريخية والقانونية لدولتي مصب نهر النيل: مصر والسودان، ودعم هذا الرفض رفض الكونغو وبوروندي للاتفاقية، وبذلك لم تتحقق أغلبية الثلثين لإنفاذ الاتفاقية؛ إذ كانت دول حوض النيل تضم وقتها 9 دول (كينيا ورواندا وبوروندي وتنزانيا والكونغو، وأوغندا وإثيوبيا والسودان ومصر)، ودخول الاتفاقية حيز التنفيذ يحتاج موافقة ثلثي الدول، أي: تحتاج إلى موافقة 6 دول، وهو ما لم يتحقق بموافقة 5 دول عليها (إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا)، ورفض الدول الأربع الأخرى (مصر والسودان والكونغو وبوروندي). 

وبعد انقسام السودان إلى دولتين كان انضمام دولة جنوب السودان إلى مجموعة دول حوض النيل يجعل مجموع هذه الدول عشر دول. 

ورغم أن ظاهر العلاقات المصرية مع جنوب السودان علاقات جيدة ووطيدة حيث قدمت مصر، وافتتحت مشروعات متعددة في جنوب السودان، وقامت بإنشاء مركز للتنبؤ بالأمطار والتغيرات المناخية وحفرت آبار جوفية وطهرت بحر غزال من الحشائش، وشاركت في اجتماعات اللجنة الفنية المشتركة لمشروعات التعاون الثنائي بين البلدين لبحث المشروعات الجاري تنفيذها والمشروعات المستقبلية؛ إلا أنه في موقف مفاجئ وغير متوقع قام برلمان جنوب السودان بالموافقة (التصديق) على اتفاقية عنتيبي. 

والظاهر أن هذه الموافقة أيضًا لا تكفي لتنفيذ الاتفاقية لعدم بلوغ الدول الموافقة على الاتفاقية نسبة الثلثين المطلوبة حتى بعد موافقة جنوب السودان عليها، وهي هنا تكون بموافقة 7 دول من دول حوض النيل العشر. 

واتفاقية عنتيبي تتجاهل الحقوق التاريخية لمصر والسودان المقررة بموجب اتفاقيات 1902 و1929 و1959، والتي تضمن لمصر حصة من المياه قدرها 5 و55 مليار من المياه سنويًّا وللسودان 5و18 مليار متر مكعب سنويًّا، وتفتح الاتفاقية الباب لإعادة توزيع الحصص المائية بين دول حوض النيل بما يهدد الأمن المائي لمصر والسودان، والاتفاقية أيضًا تضعف مبدأ الإخطار المسبق لدول مصب نهر النيل عند إقامة مشروعات جديدة على نهر النيل، كما أن الاتفاقية تنص على تأسيس مفوضية لحوض النيل لها سلطة اتخاذ القرارات، وقد تتخذ قرارات مستقبلية تضر بمصلحة دول المصب.

ويبقى الأمر مرتبطًا بتمسك مصر والسودان بوحدة موقفهما وبحفاظهما على موقفهما الثابت من هذا التحدي؛ خاصة وأن هناك دعم دولي لموقف مصر والسودان في هذه القضية نظرًا للاعتبارات التاريخية ومبادئ القانون الدولي. 

5- تداعيات الأعداد الكبيرة من اللاجئين:

يعد ملف اللاجئين الذين يعيشون في مصر من الملفات المهمة حاليًا على الساحة المصرية حيث تشير التقارير الرقابية إلى وجود أكثر من 9 مليون لاجئ يعيشون في مصر من أكثر من مائة دولة. وهم يتركزون في المحافظات والمدن الكبيرة؛ مثل: القاهرة والجيزة والإسكندرية، والدقهلية ومدن القناة، بينما تقل أعدادهم في المحافظات والمدن النائية كأسوان، وهم يمثلون الآن نسبة تبلغ نحو 8.7 % من حجم السكان. وهم يستفيدون من الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين المصريين دون أي تمييز في المعاملة خاصة في قطاعي الصحة والتعليم. وتشير تقارير إلى تحمل الدولة المصرية نتيجة لذلك تكلفة تقديرية بنحو 10 مليار دولار سنويًّا.

ورغم أعداد اللاجئين في مصر الكبيرة، فلا يوجد تنظيم وضبط محكم لما يتعلق بدخولهم أو تواجدهم في البلاد، إذ إن:

- المفترض في مثل هذه الأحوال أن يتم تسجيلهم في (مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين)؛ للتعرف على أعدادهم وتنظيم تواجدهم، وهو إجراء يسبق تعاملهم مع السلطات المصرية. 

ومن خلال مفوضية شئون اللاجئين مصر يتم الاعتراف باللاجئ بعد تقديمه طلبًا بذلك ومراجعة البيانات التي قدَّمها. وتعمل المفوضية في مصر منذ عام 1954، حيث توفر خدمات التسجيل والتوثيق وتحديد وضع اللاجئ وتوفر له الحماية المطلوبة ودمجه في نظم التعليم والصحة وتعزيز سبل معيشته، ويبلغ عدد المسجلين حاليًا في المفوضية في مصر أكثر من 670 ألف لاجئ من 62 جنسيات مختلفة.

- تقنين أوضاع هؤلاء اللاجئين حتى يكونوا تحت سمع وبصر الدولة، مع وجود قاعدة بيانات خاصة بهم يمكن عن طريقها التعرف عليهم معرفة تساعد في وضع الحلول المطلوبة عند حدوث مشكلات أو أزمات في البلاد.

 - المفترض أن يتم تقسيمهم وتوزيعهم على أماكن خاصة بتجمعهم خاصة في المدن الجديدة، بحيث يكون لهم أماكن محددة لا تتسبب في إحداث ضغط على خدمات ومرافق الدولة التي تتحمل بصعوبة عبأ كثافة المصريين السكانية العالية في المدن الكبيرة ذات الكثافة السكانية، فلا تتسبب أعداد اللاجئين الكبيرة في زيادة الكثافة السكانية في أماكن هي كثيرة الكثافة من قبل.

- الاستفادة بقدر الإمكان من قدراتهم الاستثمارية وخبراتهم الفنية والعملية وتوجيهها في خدمة الاقتصاد القومي كقوة عاملة داعمة ومنتجة.

ومعلوم أن مصر ترحب بقدوم اللاجئين، فمصر عبر التاريخ استقبلت الكثيرين من أبناء الشعوب الأخرى وهناك أعلام منهم عاشوا في مصر وبرعوا فيها وذاع صيتهم، ومنهم من كان له دوره في رواج مصر الاقتصادي من خلال مشروعات أنشأها أو شارك في إنشائها.

ومعظم هؤلاء اللاجئين هم من الدول العربية الذين غادروا بلادهم مع الاضطرابات التي تشهدها وجاءوا إلى مصر طلبًا للأمن والاستقرار؛ خاصة من سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان، وهم يتميزون بأنه لا فارق بينهم وبين المصريين في اللغة والدين والعادات والثقافات، وهم لا يجدون صعوبة في الحياة والتأقلم مع المصريين.

لكن المشاكل الناتجة عن تزايد أعداد اللاجئين إلى مصر مع افتقاد الضبط والتنظيم المحكم لها عديدة، منها: 

- ارتفاع قيمة إيجار الوحدات السكانية في بعض الأماكن التي يكثر فيها تواجد هؤلاء اللاجئين؛ خاصة في ظل قوانين الإيجار الجديد المعمول بها في مصر، وهذا يزيد من معاناة المصريين من مشكلة الإسكان. وكان الأولى توجيه وحسن توزيع هؤلاء اللاجئين للسكن في أماكن قليلة الكثافة السكانية وبالتالي تعميرها دون مضايقات.

- ارتفاع أسعار الخدمات التي تقدمها الدولة نتيجة لزيادة الطلب عليها خاصة في التعليم والتطعيمات والرعاية الصحية وتوفير السلع المدعومة الأساسية والحاجات الضرورية للمواطنين من ماء ووقود وكهرباء ونحوها.

- المخاطر التي قد يتعرض لها الأمن القومي المصري من وجود تجمعات من هؤلاء اللاجئين ممن دخلوا مصر هربًا من صراعات داخل بلادهم ويحملون توجهات وأجندات مختلفة لها تأثيرات سلبية على الأمن القومي المصري.

وهذا بالتالي يستدعي بالضرورة:

- عمل حصر دقيق وشامل لكل المتواجدين على أرض مصر من كل الجنسيات، من خلال قاعدة بيانات واضحة، بحيث يتم تصنيفهم والتعرف على طرق دخولهم للبلاد، ومدة إقامتهم فيها، ونحو ذلك. خاصة مع حاجاتهم لتوفير الخدمات من تطعيمات ومدارس ورعاية صحية وتأثيرهم المحتمل في التركيبة السكنية، وكلها أمور هامة في تخطيط الحكومة لمستقبل البلاد وتوفير احتياجات سائر المواطنين.

- عمل مسح شامل للمهاجرين للتعرف على أعداد الشباب منهم وحاجتهم لفرص العمل، وأعداد المسنين منهم وحاجتهم إلى الرعاية الصحية، وتوفير الإنفاق عليهم، وأعداد السيدات منهن في عمر الإنجاب وقدراتهن الإنجابية. 

ويزيد من أهمية ذلك: أن هناك أعدادًا كبيرة من المهاجرين بدأت تذوب تدريجيًّا في المجتمع المصري، على عكس الدول الأخرى التي تضع اللاجئين إليها في مخيمات ومعسكرات تقلل من ذوبانهم في المجتمع وتأثيرهم في تركيبته السكانية. 

- تقنين أوضاع هؤلاء المهاجرين، وتمييز من كان دخولهم للبلاد بطرق قانونية ممن كان دخولهم بطرق غير شرعية، وبالتالي تقنين أوضاعهم حفاظا على الأمن القومي؛ فمن حق كل دولة -بل من واجبها- ضرورة التعامل مع المخالفين بحسم وبحزم.

- مراجعة تصاريح العمل الخاصة بهؤلاء اللاجئين إذ أكثرهم لا تصاريح عمل لهم في مصر، ولا تتعدى تصاريح العمل في مصر 100 ألف تصريح.

وتقوم حاليًا وزارة الداخلية منذ بداية العام الحالي 2024 بحملة مكثفة لتصحيح أوضاع كافة اللاجئين المقيمين في مصر واتخاذ إجراءات إثبات الإقامة لهم لتقنين أوضاعهم من خلال التوجه إلى الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية لتقنين أوضاعهم، وتجديد إقاماتهم والحصول على كروت ضمان الاستفادة من كافة الخدمات الحكومية.

وجوب الحذر والحيطة:

مما ينبغي علينا في مواجهة هذه الأخطار المحدقة بنا من كل جانب أخذ الحذر منها جميعًا، واليقظة وعدم الغفلة؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (النساء:71)، وقوله -تعالى-: (خُذُوا حِذْرَكُمْ): أي: خذوا ما فيه الحذر من سلاح وغيره. 

ولهذا الحذر شرعت صلاة الخوف قصرًا، وبكيفيتها المعروفة المخالفة لحالة الصلاة في الأحوال العادية؛ قال -تعالى : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا . وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء: 101، 102).

وجوب حسن التوجُّه إلى الله -تعالى-:

- ويتضمن ذلك الأخذ بالأسباب إذ حث الشرع على ذلك: 

قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) (الملك: 15) أي: طلبًا للرزق، (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) فالرزق بيد الله -تعالى- لا بأيديكم؛ فعليكم الأخذ بالأسباب، ولله العطاء والفضل (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ). وقال -تعالى- في صلاة الجمعة: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (الجمعة:10)

وقال -تعالى- لمريم -عليها السلام- لما جاءها المخاض وهي وحيدة تحتاج العون والمساعدة: (فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) (مريم: 24)، أي: نهرًا صغيرًا للشرب (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) أخذًا بالأسباب للحصول على الطعام (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا . فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) (مريم: 25، 26).

وقال -تعالى- عن أيوب -عليه السلام- لما أراد الله له الشفاء مما أصابه لسنوات طويلة: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ) (ص: 41-42) أي: اضرب برجلك الأرض من باب الأخذ بالأسباب (هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) ماء نبع من الأرض مكان ضربها، اغتسل منه فشفي من أمراضه الظاهرية وشرب منه فشفي من أمراضه الباطنية، فاستعاد بذلك كامل عافيته وحيويته (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (ص: 43).

- ويتضمن ذلك أيضًا حسن التوكل على الله -تعالى-: 

قال الله -تعالى-: (?وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (الطلاق:2، 3)، وقال -تعالى-: (قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) (الزمر:38)، وقال -تعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)، والآيات في ذلك كثيرة.

وجماع ذلك:

 - في تقوى الأمة وصلاحها: قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف: 96)

- وفي استعداد الأمة للجهاد في سبيل الله؛ ففي الجهاد خيري الدنيا والآخرة: قال الله -تعالى-: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (التوبة:41).