حوار موقع الجماعة الإسلامية مع الشيخ ياسر برهامي
وقفات إنسانية في حياتي، ج1 من حوارنا مع د. ياسر برهامي
حاوره وقدم له د. ناجح إبراهيم
الدكتور/ ياسر برهامي من أعلام الدعوة إلى الله عامة والسلفية خاصة. وهو من القلائل الذين أكرمهم الله بالجمع بين أمور كثيرة من الخير، وعلى رأسها الدعوة إلى الله، وتربية الناس في زمن عز فيه المربون الصالحون، وتخفيف آلام المرضي، والرفق بهم ورحمتهم.
فعيادته هو وشقيقه الطيب المتواضع الأستاذ الدكتور/ جمال برهامي أستاذ جراحة التجميل من العيادات النادرة في الإسكندرية ومصر، التي ترفع شعار الزهد في الدنيا داعية المريض الفقير صراحة بأنه يمكنه ألا يدفع ثمن الكشف أو يدفع ما معه أو ما يقدر عليه منه دون حرج.
وقد سمعت بنفسي قصصاً كثيرة لإخوة وفقراء عاديين وسعهم الدكتور ياسر بشفقته ورحمته وعطفه، ولم يقتصر ذلك عن تنازله عن أجر الكشف فحسب، بل يصل في كثير من الأحيان إلى تيسير الدواء لهذا المريض، أو إرساله إلى طبيب آخر يحتاجه المريض؛ ليقوم هذا الأخير بإكرام هذا المريض وعلاجه مجاناً في زمن عز فيه الإحسان والمحسنون.
إن عطاء الدكتور ياسر برهامي في هذا قد يفوق عطاءه في الدعوة والتربية وتعليم الناس العلم النافع.
ففي كثير من الأحيان يسبق ياسر الطبيب صانع الخير ياسر الداعية المبلغ للرسالة.
وكلا العملين دعوة إلى الله، ولكن صنع الخير أقوي أثراً من الكلمات وأكثر قوة في النفوس؛ إذ أن كلمات الدعاة تنسى، ولكن مواقف الرجال لا تنسى، وصنع المعروف لا ينسى. ولذلك فإن الدعوة بالقدوة أبلغ أثراً من الخطابة والكلمة، وهذا والله ما ينبغي معرفته عند عامة الدعاة وخاصتهم.
وهذه خديجة تقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ)، فذكرت معروفه، ولم تذكر تبتله للعبادة وانقطاعه لها في غار حراء.
لقد جمع الدكتور ياسر بين خصال عديدة من الخير والمعروف، قلَّ في هذا الزمان من يجمع بينهم؛ فلا الأوقات أو الصحة أو الطاقة الإيمانية أو النفسية تدرك كل هذه الخيرات، ولكن أولو العزم هم اللذينَ يستطيعون الولوج إلى الخير والبر من أبواب كثيرة، ويحاولون تحصيل أكبر قدر من شعب الإيمان.
وهذا والله يتطلب جهداً عظيماً ومجاهدة كبرى وهمة عالية. فكيف تتصور إنساناً يقوم ليصلي الفجر في وقته في المسجد، ويصوم أيام التطوع، ويحاول جهده قيام الليل، وهو في الوقت نفسه يحافظ على عمله في الوحدة الصحية، ويذهب إلى عيادته الخاصة، يقضى حاجات الناس، ويشرف على موقع صوت السلف، ويصنف الكتب، ويستقبل الناس، ويحل المشكلات.
إنها والله بركة العمر التي وهبها الله من قبل لأمثال النووي وابن تيمية، فقاموا بأعمال عظيمة للدين في سنوات قليلة. هذا والله هو التفسير الوحيد،. إنه التوفيق من الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
وقد أثقلنا على الدكتور ياسر وأخذنا من وقته الكثير والكثير للإجابة على هذه الأسئلة.
ونحن نشكره على استجابته لدعوتنا للحوار معه عبر الانترنت، وأرجوا له كل التوفيق.
ونعدكم قريباً بحوار أخر مع الدكتور الإنسان/ جمال برهامي.
أولا وفي البداية، نرحب بفضيلة الدكتور ياسر برهامي.
أولا: أقول لكم: جزاكم الله خيراً على هذا التواصل الذي تحتاجه حركتنا وصحوتنا الإسلامية، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعمل بطاعته ونصرة دينه، وإعلاء كتابه، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يجمعنا دائماً على ما يحب ويرضى في الدنيا، ويوم القيامة في جنته.
دكتور/ ياسر، حدثنا عن بطاقتك الشخصية بشيء من التفصيل؟
اسمي "ياسر حسين محمود برهامي حشيش".
ولدت في يوم الثلاثاء 25من صفر1378هـ، الموافق 9سبتمبر 1958م في مدينة "كفر الدوار- محافظة البحيرة"، حيث كان الوالد -رحمه الله- يعمل مهندساً في شركة "كفر الدوار للغزل والنسيج".
وبعد أشهر انتقلت الأسرة إلى "الإسكندرية" حيث قضيت معظم سني عمري.
ووالدتي -رحمها الله- ربة منزل، وكان والدها "الشيخ/ محمد الطوخي" -رحمه الله- من رجال الأزهر.
وأنا الأصغر في إخوتي: د/ آمال، ثم د/ سناء -رحمها الله-، ثم د/ جمال الدين، وبيني وبينه ثمان سنوات.
وكان خامسنا عمي د/ برهامي الذي أخذه والدي -رحمه الله- لتربيته عنده بعد وفاة والدهما -رحمه الله- فنشأ كأخ أكبر لنا، وبحمد الله كان التدين هو السمة الظاهرة في الأسرة.
انتهيت من دراستي الثانوية سـنـ1976ـة م بتفوق -بحمد الله- ودخلت كلية الطب، وانتهيت منها سـنـ1982ـة م بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف.
وتزوجت سـنـ1989ـة، ولي ثلاثة أولاد: محمد 16 سنة، والحسين 13سنة، ومريم 7 سنوات.
وحصلت على ماجستير طب الأطفال سـنـ1992ـة م، وليسانس الشريعة الإسلامية من "جامعة الأزهر" فرع دمنهور بتقدير جيد جداً سـنـ1999ـة م.
كل حواراتك السابقة لم تذكر فيها شيئاً عن زواجك وقصته، وكفاح زوجتك معك؟
كان أخي الحبيب "الشيخ/ كمال عاشور" في الدفعة الأولى لـ"معهد الفرقان لإعداد الدعاة" الذي أسسته "الدعوة السلفية" عام 86، والذي أغلق عام 94، وكان دائماً يوصلني بسيارته إلى الدرس الأسبوعي بمنطقة الدخيلة.
وذات مرة سألني عن ابنته، أو بالأحرى ربيبته التي نجحت في الإعدادية بتفوق، وما الأمثل لها؟ استكمال الدراسة أم التفرغ لطلب العلم الشرعي؟ خصوصًا أن المشاكل كانت قد بدأت في ذلك التوقيت في التعامل مع الأخوات المنتقبات في المدارس. فقلت له: "إني أفضل للأخوات الملتزمات عدم استكمال الدراسة لما في المدارس والجامعات من اختلاط يفقد المرأة حياءها في الأغلب، فأنا أختار لها -إن هي وافقت- البقاءَ بالمنزل".
وأنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكني أرى الثمرة ضعيفة جداً، والثمنَ باهظاً، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم بدلاً من علوم أكثرها لا ينفع، وإنما يتعلمن لأجل الشهادات التي يحتجنها لا للعمل، بل للزواج نتيجة للأعراف الاجتماعية، ونسبة ضئيلة هي التي تستطيع أن تخدم المجتمع بضوابط شرعية، وهي موجودة -بحمد الله- كالطبيبة المسلمة، والمعلمة المسلمة. أنا في الحقيقة لست ضد تعليم البنات، ولكني أرى الثمرة ضعيفة جداً، والثمنَ باهظاً، ويمكن تحصيل المطلوب بالمنزل، مع اختيار الأصلح من العلوم |
ثم نسيت هذا الموضوع حوالي السنتين كان لي خلالها تجربة غير ناجحة في الزواج انتهت بالانفصال قبل الدخول.
وبدأت أبحث من جديد فتذكرت النصيحة التي نصحت بها أخي "كمال" في شأن ربيبته، فسألته عنها وماذا صنعت؟ فأخبرني أنها عملت بالنصيحة بالفعل وتركت الدراسة. فقلت في نفسي: "هل أنصحها أنا بعدم استكمال الدراسة، ثم أبحث عن حاصلة على شهادة؟!"
وكنت متخوفاً من المستوى التحصيلي، وبالتالي حصول التفاهم بيننا، فطلبت من "الشيخ كمال" أن يطلب منها قراءة كتاب منة الرحمن، وعمل ملخص له من الذاكرة بعد قراءته، وفوجئت بمستوى رائع لم أكن أتوقعه، وظننت أنه منقول من الكتاب، ولكن تأكدت مشافهة من ذلك أنه من الذاكرة، فاطمأننت تماماً، وتوكلت على الله.
وتقدمت وعلمت أنها خاضت معركة -مع عمها وخالها- من أجل النقاب، ثم من أجل الدراسة، حيث أنها نشأت يتيمة، وتزوج "الشيخ كمال" والدتها -وهي بنت عمه- من أجل تربيتها، وقد أحسن تربيتها -جزاه الله خيراً-، لكن كان لعمها وخالها اعتراض على النقاب، ثم على ترك الدراسة، وقالوا لها: "من سيتزوج فتاة بالإعدادية؟"
فلما تقدمت لها كان أمراً غريباً عليهم حتى حاول البعض عرقلة الزواج، لكنه تم -بفضل الله تعالى-.
وتأكدت أكثر أن الشهادات لا أثر لها في المستوى التحصيلي والعلمي، ولا في التفاهم، فهذه الأمور هبة من الله -تعالى- يمن بها على من يشاء من عباده، والحمد لله على نعمته.
وكنت قد تزوجت في جزء من شقة والدي -رحمه الله- لعدم وجود إمكانيات غير ذلك، فكان الأمر يحتاج إلى فقه في المعاملة، حتى لا تقع المشاكل التقليدية بين الأم وزوجة ابنها، لاسيما وقد كنت أقرب أولاد أمي إليها -رحمها الله-.
وبحمد الله -تعالى- وفق الله زوجتي ووالدتي لما يحب ثم أُحِبُ من العلاقة الحميمة الوطيدة التي كانت تماماً كعلاقة الأم بابنتها لا بكَنـَّتِها.
وابتلانا الله -تعالى- بعدم الإنجاب أربع سنوات دون سبب ظاهر، فكانت من رحمة الله بنا لندرك بذلك أنواعاً من العبادات والدعوات، أرجو الله أن تكون سبباً في صلاح الأولاد.
ثم كانت فترة التضييق على الدعوة منذ سـنـ1994ـة م، وبحمد الله كانت زوجتي دائماً سبباً في الطمأنينة داخل البيت، وعدم الاضطراب رغم كثرة المشاكل، وكذلك كانت خلال فترة الاعتقال سـنـ2002ـةم. أسأل الله أن يديم علينا نعمته ومنته، وأن يجمعنا يوم القيامة في جنته.
هل يغفل السلفيون دور المرأة في حياتهم ؟ وفي معظم كتاباتهم؟ حيث أنهم لا يتحدثون في حواراتهم عن دور أمهاتهم أو زوجاتهم في حياتهم؟
الحقيقة أن السلفيين لا يغفلون دور المرأة، ولكن كانت مهمتهم الأولى دائما هي تأكيد قضايا التوحيد والإتباع والدعوة والتربية، فكانت أكثر مصنفاتهم في هذا المجال، وأما دور المرأة فغالبا ما يذكر من خلال التراجم.
والإخوة في "الدعوة السلفية" لا يزالون -بحمد الله- أحياء، ولم يترجم لهم حتى يتسنى للناس معرفة دور الأمهات والزوجات والأخوات.
وأنا أعلم أن حضرتك تريد أن تسمع مني في ذلك، وأنا لا أمتنع؛ فكما علمنا السلف من خلال الحديث والسيرة دور زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- وبناته والصحابيات الفضليات، وأوضحوا بما نقلوا لنا علمهن وعملهن وسلوكهن، فلا مانع شرعاً عندنا من ذكر ذلك طالما كان للمصلحة. وصيتي لكل أخ له أم أو أب أحياء ألا يترك الفرصة تفوته في الاستمتاع ببرهما. |