كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن من نعمة الله علينا أن أكمل لنا الدين وأتم لنا النعمة، وأرسل إلينا رسولًا رحيمًا بأمّته، فما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شرٍ إلا وحذرنا منه -صلى الله عليه وسلم-.
ولقد كان من جملة الخير الذي دلنا عليه: آداب شملت كثيرًا من أمور الدين والدنيا؛ فالعبادات لها آداب، ومخالطة الناس لها آداب، والتعامل مع النفس له آداب، والأدب هو الدِّينُ كله.
والآداب منها ما هو مستحب، ومنها ما هو واجبٌ، ومنها ما هو مُباح؛ ولذلك اعتنى علماء الإسلام بهذا الجانب وصنَّفوا فيه كثيرًا من الكتب والمصنفات.
ولا شك أن الأدب في الإسلام مهم جدًّا، وينبغي للمسلم أن يعتني بالآداب الشرعية في جميع الأمور.
فما تعريف الأدب؟ وما منزلته وفضله؟ وما أنواعه؟
أولًا: تعريف الأدب:
قال ابن حجر -رحمه الله تعالى- في شرحه لكتاب الأدب من صحيح البخاري: "الأدب استعمال ما يُحمد قولًا وفعلًا. وعبر بعضهم عنه: بأنه الأخذ بمكارم الأخلاق. وقيل: الوقوف مع الأمور المستحسنة. وقيل: هو تعظيم من فوقك، والرفق بمن دونك" (فتح الباري).
ثانيًا: أهمية الأدب وفضله:
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ، وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ، وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
وقال النخعي -رحمه الله-: "كانوا إذا أتوا رجلًا ليأخذوا عنه، نظروا إلى سمته وصلاته وإلى حاله، ثم يأخذون عنه" (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب).
وكان مجلس الإمام أحمد -رحمه الله- يجتمع فيه من زهاء خمسة آلاف أو يزيدون، خمسمائة يكتبون الحديث، والباقون يتعلمون منه حسن الأدب والسمت.
وقال ابن المبارك -رحمه الله-: "نحن إلى قليلٍ من الأدب أحوجُ منا إلى كثيرٍ من العلم" (الرسالة القشيرية).
ثالثًا: أنواع الأدب:
والأدب أنواع، فمنه: أدبٌ مع الله، وأدبٌ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأدبٌ مع الخلق. والثالث هو موضوع حديثنا.
والأدب مع الخلق هو: معاملتهم على اختلاف مراتبهم بما يليق بهم؛ كالوالدين، والعلماء، والأقران، والضيف. وكذا كيفية معاملتهم عند المخالطة والتعامل: كعيادة مريضهم، واستعمال الهاتف معهم، والاستئذان عليهم، وهكذا...
هذا من جهة ما يتعلق بمن حولك من المخلوقين. وهناك آداب تتعلق بك وحدك؛ مثل: آداب النوم، وآداب الأكل، وآداب الركوب، وآداب الدخول، وآداب الخروج، وآداب السفر، وآداب الخلاء، وآداب الكلام، وهكذا.
ونظرًا لجهل كثير من المسلمين منزلة الأدب ومراتبه وأنواعه، وطرق اكتسابه، وغير ذلك من الأمور، وحثًّا وترغيبًا لنا في اتباع هدي وآداب النبي -صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وصفاته وأخلاقه، فسنتكلم عن هذا الموضوع المهم.
فتعالوا لنقف مع هذه الآداب بالبيان والتوضيح؛ لنقتدي بها، ونتأسى بأصحابها، سائلين الله -عز وجل- أن يرزقنا الأدب مع خلقه، ويجمعنا بمعلِّم الدنيا الأدب -صلى الله عليه وسلم- في جنات النعيم.
والحمد لله رب العالمين.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.