كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الله خلقنا لغاية عظيمةٍ بيَّنها في القرآن الكريم؛ فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)؛ قال عليٌ -رضي الله عنه-: "إلا لآمرهم بعبادتي، وأنهاهم عن معصيتي".
وهذه العبادةُ -كما عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية- هي: "اسم جامع لما يُحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة". فتوحيد الله بشهود ربوبيته، واستحقاق ألوهيته، وشهود آثار أسمائه وصفاته من أعظم العبادات، كما أن الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج عبادة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والرغبة، والخشية، والدعاء، عبادة، وبر الوالدين والصدق والأمانة... كل ذلك من أنواع العبادات التي خُلقنا لأجلها.
والسؤال الآن: ما الشروط الواجب توافرها في العبادة حتى تُقبل؟
الإجابة: شروط قبول العبادة ثلاثة:
الأول: الإيمان بالله، ويدخل فيه -بلا شك- الإسلام؛ فلا تُقبل عبادة من كافرٍ بالله -جل وعلا-، وأدلة هذا الشرط كثيرة؛ منها قوله -تعالى-: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) (الإسراء: 19).
قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله-: "ذكر -جل وعلا- في هذه الآية الكريمة: أن مَن أراد الآخرة وسعى لها سعيها؛ أي: عمل لها عملها الذي تُنال به، وهو امتثال أمر الله، واجتناب نهيه، بإخلاصٍ على الوجه المشروع، وهو مؤمن؛ أي: موحد لله -جل وعلا- غير مشرك، ولا كافر به؛ فإنّ الله يشكر سعيه، بأنّ يثيبه الثواب الجزيل عن عمله القليل. وفي الآية دليل على أنّ الأعمال الصالحة لا تنفع إلا مع الإيمان بالله؛ لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة".
فأول هذه الشروط: الإيمان بالله.
الشرط الثاني: الإخلاص لله في ذلك العمل؛ أي: تبتغي بعملك وجه الله -تعالى-، ولا تطلب ثناءً ولا مدحًا، ولا مالًا، ولا جاهًا، إلى غير ذلك من أغراض الدنيا، وأدلة ذلك الشرط كثيرة؛ منها قوله -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة: 5).
فالمسلم مأمورٌ في كل أعماله أن يُخلص لله، ولا يُشرك معه غيره، حتى تكون عبادةٌ مقبولة.
الشرط الثالث: المتابعة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أقواله، وأفعاله؛ فلا يُحرك ساكنًا، ولا يُسكنُ متحركًا إلا وهو متابعٌ فيه لرسول الله، يسأل نفسه: هل هذا العمل عمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فإن كانت الإجابة: نعم، يسأل نفسه السؤال الثاني: كيف عمله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ويأتي بما أُمر على الوجه الذي أُمر به، ولا يتخطى، ولا يزيد من عنده، ولا ينقص بهوى نفسه، وأدلة هذا الشرط كثيرة؛ منها: قوله -تعالى-: (اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ) (الأعراف: 3).
وفي حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أخرجه الشيخان من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه)، وفي رواية لمسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)، فلا يجوز لأحد من الناس أن يخترع عقيدة للناس مخالفة لما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.
وكذا لا يجوز أن يخترع صلاة، ولا أورادًا، ولا أذكارًا، ويُلزم بها الناس، ولربما في طياتها شرك صريحٌ بالله؛ كل ذلك مردودٌ على صاحبه، مهما كانت مكانته، أو درجته؛ فالدِّين هو ما قال الله، وبلَّغ رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ ليس بالأوهام، ولا المنامات، ولا المكاشفات، وقد انقطع الوحي وبلّغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3).
فما لم يكن يومئذٍ دينًا فليس اليوم دينٌ.
الخُلاصة:
عندنا ثلاثة شروط للعبادة حتى تُقبل وتكون صحيحة.
الأول: الإيمان وضده الكفر والشرك.
الثاني: الإخلاص وضده الرياء.
الثالث: الاتباع وضده البدعة.
فإذا توافرت هذه الشروط كان عملًا مقبولًا، وإذا كانت الأخرى كان عملًا مردودًا.
أسأل الله دوام الخير والسعادة، وحُسن الاتباع والاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.