وقفات مع حديث الشفاعة العظمى (2)
كتبه/ محمد سعيد الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
موقف آدم -عليه السلام-:
قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: عَلَيْكُمْ بِآدَمَ، فَيَأتُونَ آدَمَ -عليه السلام- فَيَقُولُونَ لَهُ: أَنتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ آدَمُ: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ: فَإِنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ).
فأول مَن يقصده الناس أبوهم آدم -عليه السلام-، فيأتونه طالبين منه أن يشفع إلى الله -عز وجل- لمحاسبة العباد والفصل بينهم، ويذكرون له المؤهلات التي تؤهله لهذا المقام؛ فهو: (أبو البشر - خلقه الله بيده - نفخ فيه من روحه - أسكنه الجنة - أسجد له ملائكته - علَّمه أسماء كل شيء)؛ فهم يهيجونه ويشجعونه ليشفع لهم عند الله لبدء الحساب.
فاعتذر لهم آدم -عليه السلام-، وذكر لهم أسباب عدم استطاعته، فقال: (إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ). وفي روايةٍ لمسلم: أنهم يذكِّرونه بأنهم أبناؤه، فيقولون له: (يَا أَبَانَا، اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ). وفي رواية: (فَيَقُولُ: لَسْتُ هُنَاكُمْ -أي: لستُ أهلاً لذلك-، وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ: أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا)؛ فقد نهاهُ الله -عز وجل- أن يأكل من الشجرة: (وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)؛ ولكن عدوهما الشيطان وسوس لهما، وقاسمهما أنه ناصح لهما؛ فغرهما ونسي آدم ما عاهد عليه رَّبهُ وأكل من الشجرة؛ فعُوقب بأن أُخرج من الجنة إلى الأرض لحكمة يريدها الله -عز وجل-.
وعلى الرغم من أنه تاب من خطيئته، وتاب الله عليه وغفر له؛ إلا أنه من خشيته وانكساره وحيائه لم يستطع أن يشفع لهم، كما في رواية ابن حبان: (فَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَهَا؛ فَيَسْتَحْيِي مِنْ رَبِّهِ مِنْهَا).
ثم يقول لهم آدم -عليه السلام-: (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي)، وفي روايةٍ: (لا يُهِمُّنِي اليَومَ إِلَّا نَفْسِي)، أي: يكفيني اليوم أن أنجوَ بنفسي؛ ولكنه مع ذلك دلَّهم على نوحٍ -عليه السلام- لعلَّه يستطيع أن يشفع لهم عند الله -عز وجل-، فقال: (اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ: فَإِنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ)، وفي رواية البزار: (عَلَيْكُمْ بِنُوحٍ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَكْبَرُهُمْ)، وفي روايةٍ في المسند: (وَلَكِنِ ائْتُوا نُوحًا رَأْسَ النَّبِيِّينَ).
وللحديث بقية -إن شاء الله-.