كتبه/ محمد خلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال -سبحانه وبحمده-: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) (الإسراء: 9).
يخبر -تعالى- عن شرف القرآن وجلالته، وأنه (يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي: أعدل وأعلى من العقائد والأعمال والأخلاق، فمن اهتدى بما يدعو إليه القرآن كان أكمل الناس وأقومهم وأهداهم في جميع أموره. (ينظر: تفسير السعدي).
وكما ورد عن ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إذا سمعت الله يقول: "يا أيها الذين آمنوا" فَأَرْعِهَا سمعك؛ فإنه خير يأمر به، أو شر ينهى عنه".
فما أحوجنا لهذه النصيحة القيمة لرجل من أهل القرآن الأوائل، ومِن أعلمهم بكتاب الله -جل وعلا-، وكيفية إصلاح التعامل معه؛ فالواحد منا لو أتاه الأمر أو النهي عن عالم أو طبيب متمكن، أو أي أحد كبير في تخصصه، فسوف يسارع في الاستجابة والتسليم له، وكلما كبر وعظم في تخصصه ازدادت سرعة الاستجابة والتسليم له، مع أن هذا قد يصيبه ما يصيب البشر من النقص والجهل والنسيان، بل ربما تعمد الخطأ، ومع كل ذلك فهو مجبول على النقص والحاجة والفقر، ولو نوى الخير؛ فكيف بربِّ الناس الخالق اللطيف الخبير الذي هو أعلم بك من نفسك، وهو أرحم وأرأف بك منها؟!
فيجب عليك أن تسلِّم وتسارع في الاستجابة لربك، وأنت منشرح الصدر طيب النفس؛ استجابة موقن مطمئن فقير خاضع لمن بيده الأمر كله؛ لذلك تحتاج أن تجاهد وترغم نفسك على ذلك.
وعلى سبيل المثال: في قوله -تعالى-: (يَاأ َيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) (المائدة: 1)؛ فهذا أمر بالوفاء بالعهود بين العبد وبين ربِّه بأداء الفرائض، والانتهاء عما حرم وبين الخلق بالوفاء بالعهود وعدم نكثها ونقضها والغدر فيها، ولا شك أن ذلك من أنفع ما يكون للعبد والأمة بأسرها في دنياها وأخراها.
وكذا في قوله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)؛ فهذا إبلاغ منه -سبحانه- بفرضية هذه العبادة الشريفة، وأخبر -سبحانه- أنه برحمته وفضله قد فرضها على الأمم السابقة، وفي ذلك إشارة إلى شرف هذه العبادة، وكذا عظيم حاجة الناس.
ثم بيَّن الحكمة من فرضها؛ وهي: تحصيل التقوى التي يحصل للعبد الفوز والفلاح والسعادة في الدنيا والاخرة، وذلك كله مع كامل غناه -سبحانه وبحمده-، وكذا مع عظيم فقرك وحاجتك لربك الغني الكريم الحميد -سبحانه وبحمده-.
وغير ذلك من الأوامر والنواهي التي جاءت في كتاب الله المجيد؛ فله النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، أعاننا الله جميعًا على ذكره وشكره وحسن عبادته.