كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغيرة المذمومة:
أما المعنى الثاني للغيرة في اللغة: فيقال: غار من صديقه؛ أي: حَزن لنعمة أصابته.
وهذا هو المذموم الذي قد يؤدي إلى الحقد عليه والحسد له؛ فيُضمر له شرًّا، ويتمنى زوال النعمة عنه -عياذًا بالله-. لكن المحمود من ذلك: أن يغار الإنسان لنفسه؛ فلا يرضى لها بالدون، و يأخذها نحو المعالي؛ وذلك بأن يحمل نفسه على الجد والاجتهاد دون حسد أو حقد، بل يتمنى لإخوانه المسلمين الخير، ويسعى به إليهم كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) (متفق عليه)، وفي رواية النسائي: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنَ الْخَيْرِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).
وإنما يأتي هذا من كمال سلامة الصدر من الغل والغش والحسد، وأن يعلم أن المسببات مرتبطة بالأسباب، فيأخذ بأسباب المجد، ويستعين بالله في تنمية ما أعطاه الله -تعالى- من قدرات، وهذا هو التوكل المحمود؛ لذلك فالمربي الخبير الرفيق هو الذي يربي ولده على حب المسلمين، والدعاء لهم، وحب الخير لهم كما يحبه لنفسه، وأن يبيت وصدره سليم للمسلمين، ولا يورثه عداوة أو كراهية لأحد.
- وأن يربيه على أن ينشغل بما ينفعه، وتركه ما لا يعنيه، وترك الغيبة والنميمة.
- وأن يركّز جدا في اكتشاف ما عند ولده من ملكات وقدرات، ويقوم على تنميتها، وإكماله بها.
- كما أن المربي الصالح هو الذي لا يقارن ولده بأولاد الآخرين، ولا يلتفت الى ذلك، بل يجعله يركِّز فيما آتاه الله -تعالى- من خير، فدائمًا يقول له: أنت، أنت... أنت ذكي، أنت تقدر أن تفعل كذا -إن شاء الله-، ونحو ذلك من تركيز على إمكاناته هو مع تحفيز وتنشيط، ثم ترضى منه بالنتيجة، وتظهر الرضا والسعادة بمجهوده وإنجازه.
- ويجب أن يربيه على الإيمان بالقضاء والقدر، وأن كل شيء بقدر، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ حَتَّى الْعَجْزُ وَالْكَيْسُ) (رواه مسلم)؛ أي: الذكاء والنشاط، وضده من العجز والكسل. وبذلك تكون الغيرة المحمودة.
غيرة الطفل من إخوانه:
عرَّف علماء النفس الغيرة عند الطفل بأنها: شعور سلبي يشعر به الطفل عند نقص الاهتمام به من قِبَل والديه؛ خاصة أمه؛ فلذلك فهو يسلك وسائل كثيرة لجذب الانتباه، وجلب الاهتمام إليه مرة أخرى: كالغضب، والبكاء، والضرب، والشجار. قالوا: وهذا طبيعي جدًّا.
- وقد تظهر هذه الغيرة في تصرفات سلبية أشد: كمص الأصابع، والتبول اللا إرادي، والسرقة، والاعتداء على الآخرين؛ خاصة زميله المتفوق الذي يلاقي تشجيعًا من المعلمين ونحوهم، وهنا يأتي دور العلاج، لكن الوقاية خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج.
وأما عن أسباب الغيرة عند الطفل، وكيفية الوقاية منها، وعلاجها إن وجدت؛ فهذا نتناوله في المقال القادم -بإذن الله-.