الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 30 يوليه 2024 - 24 محرم 1446هـ

غزة رمز للعزة (12) إسرائيل: استعمار وعنصرية وبطش وإبادة

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تأثرت الحركة الصهيونية الحديثة عند نشأتها بما ساد أوروبا في ظل النهضة الأوروبية الحديثة من تبني الفكر القومي والأخذ بالنزعة الاستعمارية، والفكر القومي يقوم -كما هو معلوم- على الشعور والاعتزاز بالانتماء إلى قوم أو عرق أو جنس مع التعصب لذلك الانتماء، بينما تقوم النزعة الاستعمارية -كما هو معلوم- على الاستيلاء على ممتلكات الغير من أرض أو ثروات سواء بشكل مباشر باستخدام القوة العسكرية المباشرة أو بشكل غير مباشر ببسط السيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية على الغير فيصبح خاضعًا له منقادًا إليه حتى بدون احتلال عسكري.

وقد قامت الدولة الأوروبية الحديثة بعد الثورة الفرنسية عام 1789 على توجهات ثلاثة: العلمانية والقومية والديموقراطية كلها مجتمعة معًا. 

وقد مارست الدول الأوروبية القوية منها السياسة الاستعمارية المباشرة ضد الشعوب الضعيفة، وتوسعت في ذلك؛ خاصة في القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، وأصبح لها مستعمرات تخضع لها مباشرة في قارات العالم المختلفة إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وقد تأثر قادة الحركة الصهيونية الحديثة بداية من (تيودور هرتزل) مؤسس الحركة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ومَن قاد الحركة مِن بعده على ما ساد دول أوروبا الغربية في تلك الفترة من النزعة القومية والنزعة الاستعمارية من خلال العمل على إقامة دولة قومية لليهود تستعمر أرضا تقيم عليها دولتها.

وقد عمل قادة الحركة الصهيونية بقوة على إغراء الدول الأوروبية بتأييد فكرة إقامة دولة يهودية على النهج الأوروبي الحديث في فلسطين، فتكون هذه الدولة الناشئة ملاذًا يأوي إليه يهود العالم؛ خاصة يهود أوروبا، فتنتهي بذلك مشكلة اليهود في أوروبا وتكرر اضطهادهم فيها، على أن تكون هذه الدولة بنهجها الغربي وخلفيتها الاستعمارية رأس حربة للغرب في مواجهة شعوب المنطقة العربية، وهو ما أشار هرتزل في كتابه (الدولة اليهودية) في قوله: (بالنسبة لأوروبا سنقيم هناك - أي: في فلسطين- جزءًا من السور المضاد لآسيا، وسنكون -أي: اليهود الذين سينتقلون إلى فلسطين ويتخذونها وطنًا- حراس الحضارة المتقدمي الموقع ضد البربر) يعني بالبربر الشعوب العربية حول فلسطين التي هي في نظر الغرب متخلفة عن الحضارة الأوروبية. 

وبعد وفاة هرتزل نجح (حاييم وايزمان) الذي خلف هرتزل في زعامة الحركة الصهيونية في الحصول من بريطانيا على وعد من وزير خارجيتها بلفور في عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، ومن هذا الفكر والمنطلق تبنت إنجلترا والتي كانت وقتها دولة استعمارية عظمى فكرة إقامة وطن لليهود على حساب شعب فلسطين بموافقة ومباركة ضمنية من دول أوروبا الغربية من خلال عصبة الأمم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وبعد الحرب العالمية الثانية وأفول نجم إنجلترا تولت وريثتها الولايات المتحدة الأمريكية هذا التبني.

وكما ارتبط الاستعمار الأوروبي بالنظرة العنصرية التي ترى علو الرجل الأوروبي الأبيض على غيره، وأنه هو الأحق بأن يتملك ويسود، فقد ارتبطت النظرة الاستعمارية الصهيونية بنظرة عنصرية مستمدة من ديانتهم التي حرفوها، والتي ترى أن اليهود دون غيرهم من الشعوب والأجناس هم شعب الله المختار الذي يجب أن يسود العالم كله ويحكمه بما فيهم الفلسطينيين والعرب. 

يقول المفكر روجيه جارودي: (والديمقراطية الإسرائيلية يشوبها تمييز عنصري أساسي كما هو الحال في كل المستعمرات، حيث يتمتع الرجل الأبيض وحده بالحكم. ويمكن مقارنة هذه الديمقراطية الإسرائيلية العجيبة بالديمقراطية الأمريكية التي نادت في تصريح الاستقلال بالمساواة بين الناس جميعًا، ثم أبقت الرق طيلة قرن من الزمان بأكمله بالنسبة للسود، وأطلقت عليهم تأدبًا منها اسم المؤسسة الخاصة، كما سمحت بمطاردة الهنود الحمر فكانوا يذبحون ويطردون من أراضيهم. فإسرائيل إذًا دولة ديمقراطية إلا بالنسبة لزنوجها ولهنودها التي تطلق عليهم القوانين الأساسية في إسرائيل تأدبًا منها السكان غير اليهود) (ملف إسرائيل، ص 112، 113).

وسياسة التفرقة العنصرية المنبثقة عن النظرة العنصرية تهدف وترمي إلى إقامة دول يفصل داخلها بين الأجناس والأعراق الموجودة فيها، فيتم تخصيص جنس أو عرق بكل الامتيازات العالية، ويحرم منها من سواهم في نفس الوطن، كما كان الفصل العنصري بين البيض والسود الذي كان سائدًا في المستعمرات الأوروبية في إفريقيا، وأشهرها ما كان في دولة جنوب إفريقيا قبل تخلصها من هذه التفرقة العنصرية.

وللتمييز العنصري صور، منها:

- التحيز العنصري: أي: التحيز إلى جنس ضد جنس آخر أو أجناس آخرين.

- الاضطهاد العنصري: يجمع بين التحيز لجنس واضطهاد الجنس الآخر.

- الفصل العنصري: الذي يجمع إلى جانب التحيز لجنس والاضطهاد لآخر فصل الجنس الآخر المضطهد وعزله عن الجنس الآخر اجتماعيًّا.

وهذا الفصل العنصري هو ما مارسته الصهيونية وتمارسه بقوة ضد الفلسطينيين منذ قيام دولة إسرائيل، ومن مظاهر هذا الاضطهاد والفصل العنصري الذي مارسته وتمارسه إسرائيل منذ قيامها ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين:

- إصدار قانون في يوليو 1950 يعطي أي يهودي في العالم الحق ما أسموه بحق العودة (أي: الهجرة) إلى إسرائيل (أي: إلى فلسطين المحتلة)، مع تيسير حصوله على الجنسية الإسرائيلية بمجرد وصوله لأرض فلسطين. هذا بينما ترفض إسرائيل وبشكل قاطع منح حق العودة لأي لاجئ فلسطيني إلى أرض فلسطين، بل ولا تعطي إسرائيل هذه الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين من المولودين أو المقيمين في فلسطين لمنع حصولهم على حق المواطنة، ولا تمنح الجنسية لأي فلسطيني إلا بشروط صعبة وبموافقة شخصية من وزير داخلية إسرائيل لذا نجد كثيرًا من الفلسطينيين الذين يعيشون على أرض فلسطين يعاملون فيها كأجانب بلا جنسية.

- إخضاع كافة الفلسطينيين للحكم العسكري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، مع منح الحكام العسكريين الإسرائيليين صلاحيات كبيرة تمكنهم من اضطهاد الفلسطينيين، من خلال فرض القيود على التحرك والانتقال والعمل والتضييق على سبل العيش وذلك لحمل الفلسطينيين؛ حملًا على ترك ديارهم وهجرتها، مع تقسيم وتجزئة المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحصار هذه التقسيمات والأجزاء والتحكم في مداخلها ومعابرها وبالتالي عزل الفلسطينيين فيها.

- القيام بعمليات طرد جماعي للفلسطينيين من أراضيهم وقراهم لبناء المستوطنات اليهودية عليها مع انتزاع ومصادرة مساحات من الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها بدعاوى وتبريرات واهية.

- حرمان الشعب الفلسطيني من حق التعبير عن نفسه من خلال النقابات أو الجمعيات والتنظيمات، وقصر السبيل على ممارسة ذلك من خلال الأحزاب الإسرائيلية فقط.

- إقامة حاجز الفصل العنصري بين الضفة الغربية وإسرائيل.

وقد وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر 1975 على قرار بإدانة الصهيونية واعتبارها شكلًا من أشكال التمييز العنصري، لكنها تراجعت وألغت قرارها بضغط الولايات المتحدة، مع أن الواقع يشهد وبصورة صارخة كم أن الحركة الصهيونية حركة عنصرية متعصبة. وكانت الجمعية العامة قد أدانت من قبل في ديسمبر 1973 التعاون والتحالف الآثم بين الصهيونية والنظام العنصري القائم وقتها في جنوب إفريقيا.

وبسبب هذه النزعة الاستعمارية لدى الحركة الصهيونية فإن إسرائيل ترفض منذ نشأتها وحتى الآن أن تكون لها حدودًا واضحة ثابتة، فهي دولة استعمارية لكل اليهود تتمدد على حساب من بجوارها من الدول العربية كلما أمكنها ذلك، ولتبرير ذلك روجت إسرائيل كعادتها شعارًا زعمت كعادتها في الكذب والترويج لهذا الكذب أنه مستمد من تاريخها وباسم الدين (من الفرات إلى النيل أرضك الموعودة يا إسرائيل).

ولا يخفى -ولعل الأمر ازداد وضوحًا على وضوح بعد عملية طوفان الأقصى- أن إنشاء دولة إسرائيل هو نتيجة التقاء في المصالح بين الدول الغربية الاستعمارية -وفي مقدمتها إنجلترا قديمًا والولايات المتحدة حديثًا- وبين الحركة الصهيونية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى:

 - حيث رأت إنجلترا متزعمة الاستعمار الأوروبي وقتها أن قيام دولة لليهود في قلب الأمة العربية تدين لها بالولاء يعني إدخال المنطقة العربية في صراعات تستنزف طاقاتها ومواردها وتضعفها، وتمنع توحدها بعد أن تم تقسيمها عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى وزوال الدولة العثمانية.

- بينما لعبت الصهيونية العالمية دورًا مزدوجًا بأن تكون ربيبتها إسرائيل رأس حربة للغرب، وفي نفس الوقت هي دولة قومية استعمارية عنصرية لليهود.

وزيادة على تلك النظرة القومية العنصرية الاستعمارية فإن لليهود وضعًا آخر يتمثل في أنهم يحملون ديانة محرفة تقوم على تمجيد اليهود دون غيرهم، وزعم أنهم شعب الله المختار الذي يجب أن يعلو وأن يسود، وأن غيرهم من الشعوب جميعها إنما هم أقل شأنا من اليهود بكثير، فهم يجب أن يكونوا خدمًا وعبيدًا لأسيادهم من اليهود بأمر من الرب بزعمهم؛ لذا فهم إن تمكنوا من رقاب العباد قاموا باضطهادهم غاية الاضطهاد، فلا يتورعوا عن استباحة أعراضهم وأموالهم ودمائهم باسم الرب بزعمهم، وما أوردوه في كتبهم المقدسة المحرفة وفي أقوال حاخاماتهم وتصريحات قادتهم وأفعالهم ما يؤكد ذلك غاية التأكيد، وكذلك يؤكده تاريخهم الأسود عبر العصور؛ إذ لم يعرف التاريخ من هم أقسى قلوبا من اليهود، وقد حدثنا القرآن عن تلك القسوة التي التصقت بهم منذ القدم، قال -تعالى- في شأن اليهود: (‌ثُمَّ ‌قَسَتْ ‌قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة:74)

واليهود يزعمون في ذلك أن الرب هو الذي أمرهم به، بل وأوجبه عليهم، فهو الذي أمرهم -ويأمرهم- منذ وجدوا بإبادة سائر الشعوب التي تقف أمامهم، فتكون لهم بعد تلك الإبادة أرضًا بلا سكان يقيمون فيها وطنًا قوميًّا لليهود بلا منازعة من السكان الأصليين، فمن ذلك:

 - ما جاء في التوراة التي بين أيديهم من قول الرب لهم: (متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها، وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك الحيثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبعة شعوب أكثر وأعظم منك ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم، فإنك تحرمهم -أي: تقتلهم- لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم) (سفر التثنية: الإصحاح 7: (1 - 3) - انظر: الكتاب المقدس: العهد القديم والعهد الجديد، ط. دار الكتاب المقدس - القاهرة، ص 290).

- وتتم الحرب مع تلك الشعوب على النحو التالي: (حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها إلى الصلح، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وإن لم تسالمك، بل عملت معك حربًا فحاصرها، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك. هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا التي ليست من مدن هؤلاء الأمم هنا (أي: فلسطين). وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما، بل تحرمها (أي: تقتلها) تحريمًا: الحثيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين كما أمرك الرب إلهك) (سفر التثنية: الإصحاح 20: 10 - 18)- انظر المصدر السابق، 311).

- ما جاء في إبادة شعب سيحون ملك حبشون بناء على أوامر من الرب: (فدفعه الرب إلهنا أمامنا فضربناه وبنيه وجميع قومه وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت، وحرمنا من كل مدينة الرجال والنساء والأطفال لم نبقِ شاردًا، لكن البهائم نهبناها لأنفسنا وغنيمة المدن التي أخذنا).

 - ما جاء في إبادة شعب عوج (بضم العين) ملك باشان: (فدفع الرب إلهنا إلى أيدينا عوج أيضًا ملك باشان وجميع قومه، فضربناه حتى لم يبق له شارد، وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت، لم تكن قرية لن نأخذها منهم، ستون مدينة...)، (كل هذه كانت مدنا محصنة بأسوار شامخة وأبواب ومزالج سوى قرى الصحراء الكثيرة جدًّا، فحرمناها كما فعلنا بسيحون ملك حبشون محرمين كل مدينة الرجال والنساء والأطفال) (سفر التثنية: الإصحاح 3:3 - 7) - انظر المصدر السابق، ص 282).

- ما جاء في التمادي في عمليات الإبادة والإفناء: (فقال الرب ليشوع مد المزراق الذي بيدك نحو (عاي) لأني بيدك أدفعها فمد يشوع المزراق الذي بيده نحو المدينة وضربوهم حتى لم يبقَ منهم شارد ولا منفلت. وأما ملك عاي فأمسكوه حيًّا وتقدموا به إلى يشوع، وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعًا بحد السيف حتى فنوا، أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف. فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء اثني عشر ألفًا جميع أهل عاي. ويشوع لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرم جميع سكان عاي، لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة تهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع).

- ما جاء في الفتك بأهل مديان من شعب فلسطين وإبادتهم ونهبهم دون سابق إنذار: (وكلم الرب موسى قائلًا: انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين ثم تضم إلى قومك....)، (.... فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر، وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم...)، (... وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم، وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار، وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم) (سفر العدد: الإصحاح 31: 1 - 12).

- ولما أبقى قادة الجيش على حياة النساء والأطفال من شعب فلسطين وسبوهم أمر موسى بأن يطهر جنوده بعد ذبح النساء الأطفال: (وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حية... فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر اقتلوها).

- ومن بعد موسى تسلم الراية يوشع بن نون فاستهل يوشع أعماله بأريحة المنكوبة: (وحرموا (أي: قتلوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف...)، (وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها. إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب) (يشوع: الإصحاح 6:21 - 25)

- ولما طلب داود ابنة شاؤل زوجة له طلب شاؤل من داود أن يقطع له مائة غلفة (بضم الغين وسكون اللام وفتح الفاء) من أعضاء الذكور من الفلسطينيين ويقدمها مهرًا لابنته ميكال، (فقال شاؤل هكذا تقولون لداود ليست مسرة الملك بالمهر، بل بمائة غلفة من الفلسطينيين للانتقام من أعداء الملك....)، (ولم تكمل الأيام حتى قام داود وذهب هو ورجاله وقتل من الفلسطينيين مائتي رجل وأتى داود بغلفهم فأكملوها للملك لمصاهرة الملك. فأعطاه شاؤل ميكال (بكسر الميم وفتح الكاف) ابنته امرأة...) (صموئيل الأول: الإصحاح 18: 25 - 29).

من صور الإبادة الكاملة التي قام بها اليهود كما جاء في التوراة التي يروونها: إبادة أهل لينة، وإبادة أهل أريحا، وإبادة أهل لخيش، وإبادة أهل عجلون، وإبادة أهل فيرون، وإبادة أهل دبير، وإبادة أهل حاصور، وإبادة ملوك مادون، وإبادة ملوك شامرون، وإبادة ملوك أكشاف، وإبادة بني بنيامين، وإبادة يابيش جلعاد، وإبادة مدينة الكهنة، وإبادة بني عامون (راجع في ذلك : دماء على صفحات التوراة والتلمود: 79 - 89).

فهذه حروب بني إسرائيل كما في كتبهم التي يقدسونها؛ ليست حروبًا بغرض إقامة شرع الله تعالى في الأرض وإزالة الأنظمة التي تحول دون ذلك كما هو الجهاد في الإسلام، بل هي لإعلاء جنس بني إسرائيل على غيرهم، فبنو إسرائيل شعب الله المختار ومن عداهم أحط منهم، وليس الأمر أن أكرمكم عند الله -تعالى- أتقاكم، وهم في قتالهم هذا لا يتورعون عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ، بل يستهدفونهم، والإسلام يمنع قتلهم في الحروب، ويمنع كذلك قتل غير المحاربين من الرهبان والعباد في الصوامع والأديرة، واليهود يستهدفون -كما رأينا ونرى- المساجد والمستشفيات والمدارس بلا تحفظ.

وقد انعكست هذه التوجهات مجتمعة الاستعمارية والعنصرية والقومية اليهودية على الحياة الفكرية والثقافية والاجتماعية والتعليمية في إسرائيل، حيث نشأت في إسرائيل أجيال يهودية تربت على الكراهية الشديدة للعرب عامة وللفلسطينيين خاصة، وعلى اختلاق التبريرات والدوافع لكل ما ارتكبته -وترتكبه- آلة الحرب الإسرائيلية عبر عقود طويلة من جرائم وفظائع ومجازر بدم بارد ضد الفلسطينيين وجيرانهم من العرب. فمناهج التعليم في إسرائيل تمتلئ بتشويه للحقائق وتبني للأكاذيب وللأساطير الصهيونية لزرع ونشر الحقد والكراهية والتحريض المستمر ضد الأبرياء من الفلسطينيين، بل والعرب أجمعين، وبصورة لا يعرف لها مثيل، وهي التي تترجم عمليًّا في مظاهر القسوة المفرطة التي تمارسها قوات الاحتلال والمستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين؛ هذا من جهة ومن جهة فهي تعلي بصورة مبالغ فيها من شأن الجنس اليهودي وأنه شعب الله المختار.

وقد قامت الدكتورة (صفا عبد العال) في كتابها: (تربية عنصرية في المناهج الإسرائيلية) بترجمة وتحليل مضمون 16 كتابًا في الدراسات الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا) مقررة على التلاميذ الإسرائيليين من الصف الثالث وحتى الصف السادس الابتدائي، فوجدتها مليئة بصورة مشوهة للعربي، ومنها وصفه بالصفات الوضيعة: فهو اللص السفاح القذر وأنه كالأفعى.

وفي تكريس النظرة الدونية للعرب تصور كتب التعليم العبرية العربي على أنه بدوي متخلف جاهل غير قادر على استغلال أرضه وموارده، وأنه بطبيعته عدواني؛ وعليه فإن احتلال بعض الأقطار العربية يجلب لها النعمة لا النقمة! 

وفي المقابل: تربط مناهج التعليم في إسرائيل الطلاب الإسرائيليين بأرض فلسطين؛ بدعوى أن لليهود الحق المطلق في أرض فلسطين، مع إنكار أي حق للفلسطينيين فيها! كما أنها تكرس لتفوق جنس اليهود حضاريًّا وعرقيًّا على غيرهم، وتحقر من شأن الجنس العربي عامة، وذلك لغرس النظرة الاستعلائية اليهودية من جهة، ولتبرير فظائع جرائم اليهود واستيلائهم على الأراضي الفلسطينية وطرد وتشريد أهلها عبر العقود الطويلة الماضية.

وتعمد المناهج التعليمية في إسرائيل إلى جانب زرع الكراهية والعداء للفلسطينيين والعرب زرع الخوف منهم في نفوس النشء؛ لذا فالنشء هناك يعيش في حالة تحفز مستمر يستحيل معها العيش مع الفلسطينيين والعرب، ويلازم الحذر الدائم منهم، فهم الخطر الأكبر والعدو القريب الذي يتطلع إلى القضاء على دولة إسرائيل وإبادة الجنس اليهودي، وبالتالي فلا بقاء للإسرائيليين إلا بإبادة الفلسطينيين أو إبعادهم وعدم السماح لهم مطلقًا بالعودة من جديد لأرض فلسطين، وهذا هو الهدف الذي تسعى إليه الصهيونية وتعمل من أجله، وتحقيق السلام عندهم لا سبيل له إلا بتسليم الفلسطينيين والعرب بالسيادة الإسرائيلية الكاملة على كامل فلسطين.

فحصيلة ما زرعته المناهج العنصرية في نفوس الإسرائيليين جيلًا بعد جيل حالة دائمة من الخوف من المستقبل والقلق والتوتر من المستقبل مع العرب في الوقت الذي هم فيه يحتقرون العرب ويتعالون عليهم، فهم في نظرهم الأقل تحضرًا والأكثر تخلفًا وفقرًا، وهم عندهم إرهابيون قتلة مخربون (كتاب: "دماء على صفحات التلمود والتوراة" تأليف: عبد الحليم الجبيصي. طبعة المكتبة التوفيقية. القاهرة، من ص 79 إلى 89).