كتبه/ أحمد شهاب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"الشغل الدعوي كثير!"، "العاملون في الدعوة مستهلكون!"، "العمل للدين ثقيل!"، "الواجبات أكثر من الأوقات".
على سبيل الشكوى قد تخرج بعض تلك الكلمات وأشباهها من بعض العاملين في الحقل الدعوي بقصد أو بدون قصد، ولا مانع من بعضها كتوصيف للواقع لمصلحة ما، بل ولا ملامة على الشعور بالثقل الحاصل بالفطرة والجبلة الإنسانية، بل قد يكون منها ما هو نابع من حب انتشار الخير والحرص على هداية الخلق وحمل هم الإصلاح والتغيير، لكن في نفس الوقت قد يصل الأمر إلى مدخل للكسل والإحباط، بل والأخطر أن يصل إلى التأثير بالسلب على الرضا بالقدر؛ لذا علينا أن نوجِّه لهؤلاء الأفاضل بعضًا من خطاب الوحي في مثل تلك الأحوال -سائلين الله أن يجعلنا من المصلحين بفضله ومنه وكرمه-.
فإلى مَن شرَّفه الله بالعمل للإسلام وخدمة الدين، وأن يكون من جند الرحمن، أهمس في إيجاز بتلك الكلمات، في سبع رسائل مختصرات.
1- (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا):
قد يتمنى الدعاة أن لو شاركهم عدد أكبر في حمل الهم لتخفيف العبء، ولو شاء الله لكان، بل لو شاء لآتى كل نفس هداها؛ ولو بلا دعاة أصلًا، لكن ثَمَّ أجور كبرى لا تنال إلا في تلك الأجواء، وتحت وطأة تلك الأثقال والأحمال.
فتأمل مليًّا كلمات شيخ المفسرين ابن جرير الطبري -رحمه الله- في تفسير قوله -تعالى-: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا . فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) (الفرقان: 51، 52)؛ قال: "يقول -تعالى ذكره-: ولو شئنا يا محمد لأرسلنا في كلِّ مصر ومدينة نذيرًا ينذرهم بأسنا على كفرهم بنا، فيخف عنك كثيرًا من أعباء ما حملناك منه، ويسقط عنك بذلك مؤنة عظيمة، ولكنا حملناك ثقل نذارة جميع القرى، لتستوجب بصبرك عليه إن صبرت ما أعدَّ الله لك من الكرامة عنده، والمنازل الرفيعة قِبَله، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه... ولكن جاهدهم بهذا القرآن جهادًا كبيرًا".
2- (وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا):
وهي استحضار معنى الجهاد في عملك الدعوي، فاثبتوا واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون.
فهل يليق بالمجاهد أن يشتكي متذمِّرًا من حرِّ الصيف أو برد الشتاء؟!
وهل يليق بمن لبس لَأْمَة الحرب أن يستثقل القيام؟!
وهل يليق ممن باع النفس والمال أن يقيل أو يستقيل؟!
3- لذا أيها الداعية المجاهد تأتيك الرسالة الثالثة: (وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ):
قد تميل النفوس إلى غير ذات الشوكة ويأبى الله إلا (أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ . لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) (الأنفال: 7، 8).
إن الميل إلى الخيار الأسهل والأكثر راحة مع ظهور المصلحة الأكبر للدين فيما يقابله من الخيارات نقص في المؤمن عن مراتب الكمال، بل فوِّض أمرك لله، وانشغل بواجب الوقت على أي حال.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.