ردًّا على مثيري الفتن.. (إن الدين عند الله الإسلام)
كتبه/ سالم الناشي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أثارت تغريدة من أحد المشاهير، ذكر فيها أن سورة (الكافرون) تعارض قوله -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 19)؛ حيث يقول: "لقد أقرَّ الله بأن هناك ديانات أخرى، وكل إنسان حر في عقيدته واختياره".
ولا تعارض بين آية: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون: 6)، وبين آية: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) (آل عمران: 19)؛ فالآية الأولى تؤكد أن هناك ديانات أخرى هي للكافرين، أما المسلم فله دينه المختلف عنهم تمامًا، في حين تؤكد الآية الثانية أن الدين المقبول هو الإسلام فقط، وليس غيره.
فالأديان الأخرى موجودة وجودًا واقعيًّا، لكن وجودها لا يعني الإقرار بها، أو أنها صحيحة، أو أنها على حق، وهذه مفاصلة واضحة، وحدٌّ بين الكفر والإيمان، اللذيْن لا يمكن أن يختلطا؛ فالمسلم كونه على بصيرة من أمره؛ حيث يؤمن بالدين الذي ارتضاه له ربه -عز وجل-، يعلنها صريحة واضحة أنه يتبرأ من الشرك بمختلف أنواعه، وأن وجود الشرك لا يعني الرضا عنه، أو الإقرار به؛ فالدين عند الله هو الإسلام فقط.
كما أن الله -تعالى- هو من اختار لنا الإسلام دينا ورضيه لنا، قال -تعالى-: (ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، ثم أوضح -سبحانه- بما لا يدع مجالًا للشك، أن من يرغب عن دين الإسلام فلن يقبل منه؛ قال -تعالى-: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (آل عمران: 85)، بل أمر نبيَّه -عليه الصلاة والسلام- بالبراءة من المشركين تمامًا؛ فقال -جل وعلا-: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ) (يونس: 41).
ولم يكن إعراض أهل الكتاب عن الدين الحق وهو الإسلام، إلا بعد أن جاءهم العلم وعرفوه، فاختلفوا فيه وانحرفوا عنه، وأنكروه وأعرضوا عنه، قال -تعالى-: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)،
ومما يُميز دين الإسلام، أنه لم يكره أحدًا على الدخول فيه؛ فقد قال ربنا -تبارك تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة: 256)؛ ذلك أنه دين واضح لكل ذي بصيرة وعقل سليم، فيمكنه الدخول فيه من تلقاء نفسه، ويدل على ذلك قوله -جل شأنه-: (قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)، أي: قد تبيَّن أن الإسلام رُشدٌ، وأن الكفر غيٌّ، وهذا دليل على كمال هذا الدين العظيم، وأنه دين العقل والعلم، ودين الفطرة والحكمة، ودين الصلاح والإصلاح، ودين الحق والرشد؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله-: "فلا يصح كفر المكرَه بغير حق، ولا إيمان المكرَه بغير حق".
وقد حسم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المسألة في بيان تأكيد أحقية الدين الإسلامي وأولويته بالاتباع على غيره من الأديان السماوية، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلَّا اتِّبَاعِي) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).