كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مِن أهلك الأعمال وأشدها خطرًا على كل مسلم حين يقترف الذنب، وهو يعلم حرمته وعواقبه، ويكون الخطر والهلاك أشد جرمًا حين يحتال على العمل بأي وسيلة ظاهرها السلامة، لكن باطنها ومحصلتها معصية الله -عز وجل-، كمن يتعامل بالربا، فيحتال ويسميه: فائدة، أو عائدًا، أو ربحًا، أو يبحث عن طريقة فيبيع بيعتين في بيعة، وكذا من يشرب الخمر ويسميها مشروبات روحية، أو من يسمع الأغاني والموسيقى بزعم أنها ترفيهية، أو التحايل على منع الزكاة المفروضة، بأن يكون للنفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة؛ ثلاث شياه على كل واحد منهم شاة، فيجمعونها بعقد شراكة متفق على الحيلة حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة!
لقد نهى الله اليهود أن يصطادوا السمك يوم السبت، فقاموا بعمل حيلة ووضعوا الشباك يوم الجمعة لتجتمع فيه الأسماك يوم السبت، ثم يستأنفوا الصيد يوم الأحد، فكانت النتيجة: (فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف: 166)، رغم أن اليهود قتلوا الأنبياء، وسفكوا الدماء، وخانوا العهود والمواثيق، وبدَّلوا وحرفوا في دين الله، ورغم ذلك مسخهم الله قردة حينما استحلوا محارم الله بالحيل.
بل مجرد التفكير في الحيل والإصرار والعزم عليها، ينذر بشرٍ لصاحبها، وها هم أصحاب الجنة حين أقسموا وهموا أن يجمعوا الثمار قبل حضور المساكين، ويمتنعوا من التصدق عليهم، فإذا أتوا هؤلاء المساكين في الصباح وجدوها بدون ثمار، فكانت النتيجة والعقوبة الفورية من الله -عز وجل- لمن عزم على التحايل والخديعة ومنع الفقراء (فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (القلم: 19، 20).
انتبه -أخي القارئ-: ما ذكره الله لنا من حقائق ووقائع للأمم السابقة، إنما هو نذير لنا، وعبرة، ورسالة لمن تسول له نفسه التحايل على الله لفعل المعاصي، وما أجمل الاهتداء على الصراط المستقيم، وعدم التشبه بالمغضوب عليهم والضالين، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَرتَكِبوا ما ارتكَبَت اليَهودُ فتَستَحِلُّوا محارِمَ اللهِ بأدنى الحِيَلِ) (رواه ابن بطة، وحسنه الألباني).