كتبه/ إبراهيم بركات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الأنبياء: 22)، وكذلك لو كان في قلب العبد إله غير الله لفسد ومرض، ومِن ثَمَّ تفسد الجوارح وتمرض، ولا تؤدي ما يجب عليها من واجبات العبودية.
يقول الله -تعالى-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (ق: 37)، فالناس كلهم لهم قلوب، وللقلوب وظائف وأعمال، فالإيمان: قول وعمل؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح.
وعدم قيام القلب بوظيفته كعدمه حسيًّا؛ وذلك لموته وضعفه، فيثمر ضعفًا في وظيفته وما يتبع ذلك من الأعمال والإرادات من ضعف وخلل.
ومرض القلوب نوعان: فساد الحس وفساد الوظيفة والحركة الطبيعية، ويترتب عليهما فساد العمل وعدم قبوله.
ثمرة الطاعة:
اللذة والمنفعة والنعمة تحصل مع صحة الجارحة وصحة الأداء، والألم والغم نتيجة لفساد القلب وضعف الإرادة والأداء (وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ . وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ) (التوبة: 14، 15).
وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) (الأنفال: 24)، فحياة الروح وحياة القلب وحياة الجوارح بالاستجابة لله وللرسول، وحدوث الاستنارة والفرقان بين الحق والباطل، (أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (الأنعام: 122).
وعدم الاستجابة نتيجة لفقدان السيطرة على القلب لمرضٍ، فلا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه، والمرض يزيد ويتفاقم بزيادة أسبابه، ويقل ويضعف بضدها.
ومريض القلب -إن لم يعالج- تدفعه النفس لأسباب مرضه، كمن يعشق امرأة، ويتألم لبعدها عنه فإن حدث لهما لقاء يسعد لحظات، فإن شفي من مرضه يندم ويتحسر لبعض سلامة في قلبه، فهو حزين مغموم إن لم يحصل له لذة حرام لمرضه، نادم تائب بعد استيلاء الشيطان عليه ووقوعه في الحرام، والندم أشد والحسرة أعظم بعد فوات الأوان حين لقاء الرحمن؛ فضلًا عن الندم عما فاته من أعمال قلبه في حب ربه ومولاه، وسعادته في طاعته ومناجاته.
أمراض القلوب: فساد الاعتقاد (الشبهات)، وفساد الإرادات والأعمال (الشهوات)؛ قال الله -تعالى-: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) (النجم: 2)، فالضلال: بسبب الشبهات وتعالج بالعلم النافع، والغواية: بسبب الشهوات وتعالج بالعمل الصالح، والعلم النافع ينمو ويثمر اليقين ويدفع الشبهات، والعمل الصالح ينمو ويثمر الصبر ويدفع الشهوات.
وكان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- سؤال الثبات في الأمر (صحة الاعتقاد واليقين)، والعزيمة على الرشد (صحة العمل والصبر)، ولا بد من جهد مع النفس وعزيمة؛ للوقوف بصدق على حال القلب، ومعاينة الخلل ومن أين يؤتى.
والإيمان ثمرته متجددة يانعة، طعمها حلو ومذاقها طيب، شجرته تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وكلما غاص الغواص في الأعماق فاز بالدرر والأصداف، وكلما عمقت جذر إيمانك مع الصحب الكرام ازداد حصيد زرعك ويحلو لك السير مع مَن وصلوا وفازوا، ورضي الله عنهم ورضوا عنه.
والعبد إذا لم يسمع ولم يبصر، ولم يعلم بقلبه الحق من الباطل، ولم يفرِّق بين الخير والشر، والغي والرشاد كان ذلك من أعظم أمراض قلبه وألمه؛ وذلك لما يفوته من مصالح ومنافع، وما يحصل له من مضار، فمن فاته ربه فاته كل شيء، وفي الحديث: (إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
فاللهم احفظنا بحفظك، واشملنا برعايتك وفضلك ورحمتك، وثبتنا على الحق ما حيينا، وأصلح فساد قلوبنا وأعمالنا. آمين.
وصلى الله وسلم على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.