كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد فقدت الأمة الإسلامية، والدعوة السلفية بمصر، وجموع أهل السنة في العالم الإسلامي في صبيحة عيد الفطر لعام 1445 هـ عالمًا جليلًا، وقائدًا فذًّا، وشيخًا أصوليًّا مسددًا، ومحققًا حديثيًّا متمكنًا، ومؤسسًا للعمل الدعوي السلفي المنضبط في الواقع المعاصر، وهو فضيلة الشيخ المبارك "قيم الدعوة السلفية بمصر"، سماحة الوالد الشيخ "أبو إدريس محمد عبد الفتاح"، رحمه الله رحمة واسعة، ورفع درجاته في عليين، وهو رجل من الرعيل الأول المؤسس للدعوة السلفية، بل هو قيمها.
وقد مَنَّ الله علي بأربع مواقف ونصائح مباشرة مع فضيلته كان لها أعظم الأثر في نفسي، وهي جديرة بأن تكون لي ولإخواني نبراسًا واضحًا في ذلك المسار الدعوي السلفي المبارك، وها أنا أستعين بالله في سردها وتكرارها بقلمي، بعد أن سمعتها بأذني فخالطت قلبي، أدونها ترسيخًا لها في نفسي وتعريفًا ونقلًا لما فيها من دروس عملية وتوجيهات قيمة لمن أراد أن يستفيد بها ممن لم يعاينها من أبناء المسلمين امتدادًا لأثر الشيخ وحسناته بعد مماته؛ وحفظًا لكلمات شيخنا ونصائحه الغالية التي تعد نبراسًا في طريق الدعوة الإسلامية، وهذا من حق الشيخ علينا.
الموقف الأول:
كان في حج 1435 هـ تقريبًا، وقد مَنَّ الله علي وعلى أخي رجب أبو بسيسة بمرافقة فضيلة الشيخ أبي إدريس في أيام منى مع فضيلة الشيخ شريف الهواري، وكانت هذه الأيام من أمتع أيام حياتي وكانت كذلك أيضًا لأخي رجب أبو بسيسة، وكان لنا في هذه الأيام دروس عظيمة منه -رحمه الله- حيث خصنا فضيلة الشيخ أبو إدريس أنا وأخي رجب ببعض السرد لتاريخ الدعوة، ونشأة الصحوة، وقواعد البدء والانطلاق التي كانت بفضل الله سببًا في حفظ هذه الدعوة المباركة من الانحراف أو الذوبان.
وأتذكر من ذلك:
1- أن المشايخ كانوا يحرصون على مراجعة أي إصدارات علمية خاصة المنهجية والعقدية منها بطريقة جماعية، ولا يصدر الإصدار إلا بعد مراجعة الجميع حتى ولو كلف أحد المشايخ الأفاضل بكتابة المسودة الأولى له، بل حتى لو صدر الكتاب أو الإصدار باسم أحدهم إلا أنه في حقيقته جهد جماعي، وذلك حرصًا على سلامة الطرح ونقاء المنهج، وعدم الانفرادية بالتوجيه العام الفردي للإخوة، لا سيما فيما قد يعمم أو يدرس بين صفوفهم، وكانت وصيته بضرورة الحرص على ذلك في كل المناهج العلمية التي تعمم على أبنائنا مع دورية مراجعاتها بجماعية.
2- أن محاولات احتواء هذه الدعوة المباركة ووضعها في إطار التبعية لغيرها من أول يوم كانت -وما زالت مستمرة- بكل الطرق الإغرائية المعنوية والمادية، وكان ذلك يتم من توجهات كثيرة سواء كانت بمسميات إسلامية أو غير ذلك، وأن العاصم الحقيقي من عدم انزلاقنا في مثل هذا -بعد رحمة الله تعالى- هو المتانة العقدية والمنهجية للإخوة في هذا الوقت، وقوة التماسك الأخوي والجماعي، والشورى الحقيقية بينهم في ذلك الوقت، وكان يقصد طبعًا بالإخوة هنا مشايخ الدعوة، والشيخ -رحمه الله- كان لا يحب أن يتنادى الإخوة فيما بينهم -لا سيما الشباب منهم- بكلمة شيخ، فلقب شيخ عنده يطلق على من له مواصفات خاصة، وكان أحب إليه كلمة الأخ فلان ويرى أنها الأنسب والأوقع في تعامل الإخوة فيما بينهم، كما أنها تعبر عن حقيقة العلاقة بين الإخوة، وتذكر بالأخوة الإيمانية وبعيدة عن التكلف، وكان يكثر من ترديد لفظ الأخ فلان في كلامه ليتعود الإخوة عليها فيما بينهم.
3- أن هذه الدعوة المباركة قد مر بركابها الكثير من المتميزين الذي كان لهم باع أو كان يتوقع لهم أثر كبير، لكن تَرْكِهم العنان لحظوظ النفس البشرية ونزغ الشيطان في بعض المواقف فيما بينهم وبين إخوانهم، أو الاستجابة لبعض محاولات الاحتواء الخارجية الإغرائية، أو ضعف البناء العلمي والمنهجي العقدي، أو الاعتداد بالرؤية الفردية في تقييم الواقع المحيط بعيدًا عن بركة الشورى الجماعية، كان هذا سببًا في ابتعادهم ومفارقتهم للكيان، وفي بعض الأحيان يتحول الأمر معهم تدريجيًّا إلى مفارقة المنهج ومنابذته العداء، مع تأكيده على أن لا أحد يأمن على نفسه، فالكل قد يكون معرضًا لبعض هذه الأسباب بحكم بشريته، أو بحكم الواقع المحيط به في بعض الأحيان.
وقد سألناه: يا شيخنا وما العاصم من ذلك، فكلنا قد يتعرض لذلك؟
فكان جوابه -رحمه الله-:
العاصم من ذلك كثرة الدعاء والتضرع لله بالسداد والتوفيق والثبات على الحق، وعدم رؤية النفس أو الإعجاب بما مَنَّ الله به عليك أو ميزك به عن غيرك، مع استمرارية التعلم مهما علت مرتبتك الإدارية، والحرص على الشورى الجماعية والالتزام بها ولو كانت خلاف ما تراه في بعض المسائل الاجتهادية.
4- موقف عملي تطبيقي حدث من الشيخ -رحمه الله- في هذا الحج يتطابق مع ما كان ينصحنا به في عدم مخالفة الرأي الجماعي للمجموع فيما يسعنا فيه ذلك ولو كان على أنفسنا؛ حيث كنا نتجول في شوارع منى نمشي بعض الوقت ونجلس بعض الوقت، وكان الشيخ -رحمه الله- هو والشيخ شريف حفظه الله حريصان على التواجد مع الجمع من أبنائهم في ذلك الأمر، مع أن الشيخ لو أراد لفُتحت له العديد من المخيمات، لكنه -رحمه الله- كان عفيف النفس، حريصًا على عدم التكلف له من أي أحد.
المقصود: أننا ونحن في انتظار مضي نصف الليل في منى حتى نرجع إلى السكن الذي كان في العزيزية حيث لم يكن لنا مخيمات في منى، اختار الإخوة طريقًا للخروج من منى من ناحية الجمرات وكان هذا الطريق بعيدًا شيئًا ما عن سكن الشيخ، والشيخ كان مريض قلب وفي ذلك إجهاد عليه، فأردت أن أكلم الإخوة لتعديل الخروج من ناحية كوبري الملك خالد؛ لأن ذلك أقرب لسكن الشيخ مع ما في ذلك من توفير وقت كافٍ لنا في منى لنخرج منها، وقد انتهت مدة نصف الليل بفترة كافية لا تدخلنا في شك الحساب من وقت الدخول، فضغط الشيخ على يدي ومنعني من الكلام مع الإخوة في ذلك، وقال لي: طالما أجمعوا أمرهم وهو أرفق لمجموعهم، فلا ضير وننزل على ما اتفقوا عليه وسهلة -إن شاء الله-، فقلت له: طيب يا شيخنا أيضًا نكون قد تيقنا من استيفاء نصف الليل، فقال لي: أبشر سنخرج بعد أن ينتهي نصف الليل.
وسبحان الله! اتجهنا للطريق إلى العزيزية من ناحية الجمرات وقبل أن نخرج من حد منى بقليل توقفت قليلًا، وقلت له: يا شيخنا نوقف الإخوة اللي في الأمام قليلًا حتى تكون مدة نصف الليل قد مرت بأريحية، فتبسم الشيخ ثم قال لي: اصبر، ثم فجأة وجدنا مجموعة من الناس يطلبون فتوى في بعض الأمور في الحج، ويتوجهون إلى الشيخ بالسؤال وهم لا يعرفونه، إنما توجهوا إليه من سمته وهيبته، فأخذ الشيخ في إجابتهم على عدة أسئلة متنوعة وكثيرة لمدة قاربت النصف ساعة ونحن نقف حوله، وقد نظر الإخوة الذين كانوا في الأمام، فوجدوا الشيخ قد توقف وتوقفنا معه فرجعوا يستمعون لردود الشيخ وفتاويه -وكانت فرصة عظيمة لأن الشيخ بطبعه كان قليل الكلام ولا يحب ذلك، ولكنه استرسل في هذه المرة مع هؤلاء المستفتين، وكان يستمع بإنصات ويجيب في سلاسة ومتانة علمية بأسلوب سهل يفهمه السائل مع وضع حلول لهم لما وقع منهم مما فيه بعض المخالفات.
والعجيب: أن كثيرًا من الناس المارين توقفوا واجتمعوا يسمعون الإجابات مع أنهم لم يكونوا معنيين بالأمر ولا يعرفون الشيخ، ثم لما انتهوا من أسئلتهم، سألوا عنه، فأخبرهم الإخوة بمكانة الشيخ، وانهالت الدعوات له وللدعوة في وقت كان عصيبًا في مسيرة الدعوة.
وبعد أن انتهى هذا الموقف أخذ الشيخ بيدي وقال لي: سبحان الله! هذه بركة النزول على رأي الجماعة، فقد جُعل لنا نصيب من نفع هؤلاء الناس، مع الدعاء للدعوة، وكمان خرجنا من منى بعد الوقت بأكثر من نصف ساعة علشان متزعلش، ثم ابتسم ابتسامته المعهودة -رحمه الله-.
الموقف الثاني:
كنت قد عرضت على فضيلته خلاصات كتيب "فأعينوني"، فكان من تدقيقه -رحمه الله- أنه قد استفسر مني عن المقصود الذي أريده من بعض العبارات في الخلاصات المذكورة، ولماذا ذكرتها بهذا التعبير دون غيره، فلما بينت مقصدي، فكان من نصيحته -رحمه الله- تعديل بعض الألفاظ لإيضاح المعنى المراد، وقد تم ذلك والحمد لله مع الدرس العظيم من الشيخ في أهمية التدقيق في الكلمات التي قد تُحمل على عدة معاني، وقد تفهم على غير مقصودها.
الموقف الثالث:
كان هذا الموقف قبل وفاته -رحمه الله بتسعة أشهر-، وكان الشيخ مريضًا ويتكلم بصعوبة شديدة ولكنه كان حريصًا جدًّا على حضور دوامه في مكتبه بصفة مستمرة، وكان هناك اجتماعًا مهمًّا في القاعة المجاورة لمقر الجمعية، وتوافق وجود الشيخ في ذلك الوقت بمكتبه، فذهبت إلى الشيخ وطلبت منه أن يخص أبناءه في هذا الاجتماع بنصيحة، فاعتذر لي؛ نظرًا للحالة الصحية وصعوبة الكلام، وطلب مني الجلوس وتكلم معي ببضع كلمات فيها نصائح مهمة، وقال: يا ريت توصلها للإخوة، فقلت: يا شيخنا هذا الكلام لا يوجه إلا من فضيلتكم مباشرة لأبنائكم، وأخذت منه وعدًا بأن نتشرف بوجوده في الاجتماع القادم، ويتكلم هو بما يريد من توجيهات مباشرة مع الإخوة فوعدني بذلك، ثم لما كان الاجتماع التالي بعده بثلاثة أشهر، وكانت الحالة الصحية أصعب من ذي قبل، وحرصًا مني على توجيهات الشيخ لأبنائه مع شفقتي عليه لحالته الصحية، فقد عرضت عليه الأمر باستحياء، لكن بمجرد أن ذكرته بالوعد السابق مع شدة تعبه، قال لي: هل وعدتك فعلًا، قلت له: نعم، قال: أنا فعلًا تعبان والكلام صعب، بس طالما وعدتك فسأحضر، وأنا أحتاج أن أتكلم معكم فعلًا -وهذا درس عملي عظيم في البذل، والوفاء بالوعد، والتواضع-، وفعلًا حضر الشيخ وقد أعاد على الإخوة ما قد ذكر بعضه لي قبل ذلك في لقائي السابق معه وزاد عليه، وتكلم رحمه الله لمدة 17 دقيقة تقريبًا حفر فيها خطوطًا عريضة، وتوجيهات عظيمة في كلمات قليلة مؤثرة وهو في إجهاد كبير.
وقد كان من مضمون تلك التوجيهات:
1- الحرص على تحقيق شمولية الإصلاح، والحذر من محاولات الاجتزاء أو الفصل بين مكونات الكيان الإصلاحي.
2- الحذر من البحث عن المكانة الشخصية داخل الصف، فأعظم ما يهدم الصف حرص الفرد على موقع أو تواجد معين بصورة معينة في الصف، مبينًا أن نهج الدعوة عبر تاريخها بأن المواقع داخل الصف لا تكون إلا بتكليف وليست برغبة من صاحبها أو بحث وحرص عليها، وهذا يجب أن يستمر في الأجيال القادمة ويحذر كل أحد أن تغلبه نفسه في ذلك.
3- الواجب علينا في مسارنا الإصلاحي بذل ما في وسعنا حتى مع قلة الإمكانيات وضعف الحالة المادية والإعلامية، وما علينا إلا الأخذ بالأسباب المتاحة مع البذل والعطاء وعلى الله البلاغ، كما كان حال إبراهيم -عليه السلام- بأن قام بما عليه من النداء، وكان البلاغ من الله للعالمين.
4- الحرص على استمرارية التعلم هو سمت الكيانات الإصلاحية المؤثرة، فطلب العلم والمذاكرة أمر في غاية الأهمية، والمنابر والدروس العلمية المتاحة والمجالات المفتوحة كثيرة الآن -وذلك لم يكن متاح قبل ذلك-، فكل هذه المجالات والمنابر يجب أن تُستثمر، مع الحرص على مصادر التلقي من المشايخ أصحاب المنهج الصحيح، والحرص على مخالطتهم في الواقع والتعلم من سمتهم وعلمهم ونقاشاتهم ورؤيتهم للواقع وفتاويهم، وذكر فضيلته -رحمه الله- ما كان في سنة 1979م من مقابلتهم للشيخ الألباني -رحمه الله- في الحج في مخيمات مني وقد خالطوه واقتربوا منه، ووجدوه مثل الطالب ليلة الامتحان لا يضيع منها أي وقت، دائمًا منشغل بطلب العلم والمذاكرة.
5- الفترات المقبلة تحتاج لمجهودات ضخمة ونيات صادقة، فهي قد تحوي اختبارات كثيرة، فتحتاج إلى رحمات من الله، وحسن توكل عليه، وحرص على العمل داخل الكيان الإصلاحي بعقلية الجماعية لا الفردية، ويجب أن يظل العمل الإصلاحي داخل الكيان منسوبًا للكيان ككل وليس لفرد بعينه كائنًا من كان، فنحن نسير على أشواك والطريق غير ممهد، ومن أكبر طرق هدم الكيانات الإصلاحية هو جعل الكيان ينتمي لرمز أو فرد ثم يُعمل على هدم هذا الرمز أو الفرد ثم يهدم الكيان بعد ذلك بذلك.
الموقف الرابع:
وقد سبق أن ذكرته منفصلًا، بعنوان الوصية الأخيرة، حيث خصني بها وكانت قبل رمضان بقليل وقبل مرضه الشديد، وكانت على إثر موقف من بعض الإخوة اشتكى من تعكر قلبه بسبب بعض المنغصات في عمله الإصلاحي المكلف به، حيث كانت نصيحة الشيخ وكلماته -رحمه الله رحمة واسعة- في مثل هذا كالتالي: "من ابتعد عما مَنَّ به الله عليه من عمل إصلاحي بحجة أنه لا يريد أن يتعكر قلبه بسبب منغصات هذا الطريق وعوائقه، فإن قلبه سيتعكر عليه ويضيق بأي سبب آخر من أسباب تلك الدنيا المهلكة، وهذا الطريق الإصلاحي عاقبته -إن شاء الله- رضوان من الله، لكنه يحتاج إلى احتساب صادق، وصبر حقيقي، مع حكمة وطول نفس".
هذا ما أتاحت به الذاكرة من المواقف المؤثرة المباشرة مع فضيلة الشيخ أبي إدريس -رحمه الله-، علاوة طبعًا على ما كان منه من توجيهات في المحافل العامة للدعوة، والتي كانت طبقًا لطبيعته قليلة، ولكنها عميقة ومركزة؛ فالشيخ -رحمه الله- كان لا يحب الأضواء، يعمل دائمًا في هدوء وصمت، بعلم شرعي وإدراك جيد للواقع، وبحكمة وخبرة، وحنكة دعوية لا تناظر.
وكان -رحمه الله- لا يُحب المدح، ولا يطلب شهرة، وكان ذا عقلية إدارية فذة، حريصًا على ترسيخ معاني الإيمان والإحسان وقواعد العلم والعمل، والدعوة المنظمة المثمرة في نفوس أبنائه، وكان صاحب بصيرة وحكمة في قراراته، وكان صاحب رؤية مستقبلية مسددة موفقة -بفضل الله عليه-.
كان يفكر كثيرًا، ويتكلم قليلًا، يتابع الأعمال والأحداث عن كثب أولًا بأول، ويراعي المصلحة العامة للدين والوطن والدعوة على أي مصالح جزئية أخرى ضيقة.
وقد كان له دراسات شرعية متعددة، وله تحقيقاته الحديثية المتنوعة، وقد أسس لذلك مركز الهدي للدراسات الإسلامية بالإسكندرية.
وقد ترأس فضيلته قيادة مجلس إدارة الدعوة السلفية بمصر في فتراتها المختلفة، وتحمل حمل قيادتها مع باقي مشايخ مجلس إداراتها في مرحلة حرجة فارقة في عمر مصر، حيث قادوا دفة سفينة الدعوة بعلم وحكمة وإدراك في أمواج متلاطمة من الفتن، فعبروا بها بسلام -بفضل الله- من مسالك صعبة مزلزلة تعثر فيها جمع كثير.
والحقيقة أنك إن أردت أن تسترسل في وصف الشيخ أبي إدريس، فلن يسعفك القلم في تعداد أوصافه:
- فهو إذا رأيته أسرتك ابتسامته، واستنشقت عبير الإخلاص في كلماته.
- وإذا تكلم -مع قلة كلامه- تجد كلمات عميقة رزينة؛ تضبط الموازين وتصحح المفاهيم.
- لا يتحدث إلا بعد دراسة جيدة لما سيتكلم فيه، حريص على استمرارية الطلب والقراءة والتعلم مع علوِّ قدره، وعِظَم مكانته العلمية، وهو مع هذا يستمع لمن يتحدث له بإنصات وانتباه عجيب، ويزن الكلام بعقل راجح.
- متواضع مع كل أحد، سهل التعامل مع كل أحد، محب للخير باذلًا له.
- قائد حكيم، وإداري مدقق، متقن في متابعة العمل، منصف في تقييم الأفراد وحريص على كل أبنائه، معظم للعمل المؤسسي، رافض لفردية أي أحد.
الشيخ أبو إدريس -رحمه الله- فقده مصاب جلل على الدعوة الإسلامية، قد لا يستشعره البعض؛ نظرًا لأن الشيخ كان لا يحب الظهور ولا كثرة الكلام، لكنه كان ذا عمل عظيم الأثر، ونحسبه قد ترك وراءه ألف أثر وأثر.
رحمة الله عليك شيخنا تترًا، وصَبرنا الله على فراقك، وأعظم الله لك الأجر والمثوبة، ورفع درجاتك في أعلى عليين، ورزقك بفضله ومَنِّه مرافقة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أعالي جنان الخلد، ومتعك الله بلذة النظر إلى وجهه الكريم.