كتبه/ رضا دغيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن معرفة الرب العظيم -سبحانه وتعالى- هي الجنة التي منها تفجر أنهار الخير في قلب العبد المؤمن، فكلما ازداد العبد معرفة بالله العظيم -سبحانه- كثر خيره وازداد بره، ولنضرب لذلك مثلًا في لمحة نحياها بقلوبنا حول معنى واحد من معاني اسمه -سبحانه- "الجميل".
نعم فربنا -سبحانه- هو "الجميل"؛ له أكمل وأجمل الأسماء والصفات، البالغة في الحسن الغاية والمنتهى، وتأمل فيما فرضه -سبحانه- علينا من العبادات، وكيف يسرها علينا: فالصلوات خمس في اليوم والليلة، ولو جمعت أوقاتها ما تجاوزت الساعتين في حين أعطانا اثنتين وعشرين ساعة نفعل فيها ما نشاء ما لم يكن إثمًا.
والصوم شهر في العام في حين أعطانا إحدى عشر شهرًا.
والزكاة جزء يسير من المال، وهو ربع العشر في عروض التجارة، ولا تخرج إلا إذا بلغت النصاب وحال عليها عام هجري كامل، وفي الزروع والثمار العشر أو نصف العشر بحسب نوع السقي ولا تخرج إلا إذا بلغت النصاب؛ فهي جزء يسير من المال الذي هو على الحقيقة ماله وملكه -سبحانه وتعالى-.
والحج والعمرة مرة في العمر وعلى المستطيع.
ثم بعد هذا التيسير الملازم لهذه العبادات، جعل لها -سبحانه- تيسيرًا عارضًا، فالصلاة الرباعية تقصر في السفر، وتجمع في المطر والمرض والسفر، ومن لم يستطع صلى ولو على جنب إيماءً، والمريض والمسافر في رمضان له الفطر ويقضيها من أيام آخر.
والحج للمستطيع بالمال والبدن فإن استطاع بالمال لا بالبدن أبدًا، أناب من يحج عنه ولا يجب عليه ببدنه؛ كل ذلك وغيره من التيسير العارض وفق ما بيَّنه علماء الأمة -رضي الله عنهم-؛ ففي العبادات التي فرضها الله -تعالى- علينا تيسير ملازم لها، وتيسير عارض، نعم فمن محاسن شريعته -سبحانه- أن المشقة تجلب التيسير.
أرأيت فعل الله الجميل -سبحانه- بنا؟!
إذا تأملت ذلك واستوعبته تمامًا، فانتقل إذًا بفكرك وقلبك نحو هذا المشهد لترى بقلبك عظمة جماله وإحسانه -سبحانه- في تعامله معنا نحن عبيده ومماليكه الفقراء إليه؛ تأمل فرض علينا هذه العبادات ميسرة ثم هو الذي هدانا إليها، نعم هدانا الهدايتين إرشادًا وبيانًا، ثم توفيقًا وصلاحًا، فعلمنا وأرشدنا ثم وفقنا للامتثال والصلاح.
ومع ذلك أعاننا على العمل ثم يعطينا على هذا الامتثال وهذا العمل الذي هو أصلا وابتداءً منه تفضلًا وإحسانًا علينا، يعطينا عليه جزاءً عظيمًا وفوزًا مبينًا.
يعطينا ما أعده لعباده الصالحين -نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم-، فقد أعد -تبارك وتعالى- لعباده الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فهل رأت العيون أو سمعت الآذان بما يداني هذا الجمال والإحسان؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما عند الإمام البخاري من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-: (إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ).
فمن وفَّى هذا المشهد حقه تأملًا وتفكرًا عاد على قلبه بأعظم النفع من زيادة اليقين وحلاوة الإيمان، والشوق إلى الرحمن، وهذه بعض ثمرات معرفته -سبحانه-، ومهما ازدادت تفجرت أنهار الخير تجري من قلب العبد فينتفع بسمته ولحظه قبل منطقه ولفظه، ولا يمل الله حتى تملوا.
والله المستعان، والحمد لله رب العالمين.