كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهناك مرض انتشر بين الناس، وعمت رائحته الشوارع والأحياء، وأماكن العمل؛ أصيب به الصغار والكبار، يبدأ بكلمات نابية ساقطة، تنفر منها الطباع السليمة، وترفضها العقول السوية، ويشمئز من سماعها الإنسان العاقل، ويستحيي من النطق بها اللبيب، والعجيب أن قائلها لا يستحيي أن يجهر بها بين الناس؛ لأن لسانه قد تعودها، وطبعه قد أشربها سواء كانت الأسباب تربيته السيئة، أو بيئته التي نشأ فيها، أو أصدقاء السوء الذين خالطهم، أو نفسه الأمارة بالسوء التي تصور له هذه الصفات على أنها جرأة وقول الحق! فتزيِّن له الباطل، فيتشدق بها ليل نهار، ويفخر بها بين أقرانه، فكلامه كله قبيح ومنطقه خبيث.
ألا يعلم هذا البذيء أنه مبغوض من رب العزة، وأن الله يكره العبد الفاحش البذيء، كما في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)؟!
وإذا كان الفاحش البذيء قد استوجب غضب الله؛ فلا شك أن كل شيء سيبغضه، بداية من الملائكة وعلى رأسهم جبريل -عليه السلام-، منتهيًا بمن في الأرض، فكما أن الله إذا أحب عبدًا وضع له القبول في الأرض، فكذلك إذا أبغضه سيضع له البغضاء في الأرض، فتجده مكروهًا ممقوتًا يتركه الناس اتقاء فحشه؛ لأنه من أشر الناس منزلة عند الله، كما في الحديث عن عائشة: أن رجلًا استأذن على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ائْذَنُوا لَهُ، بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ، أَوِ ابْنُ الْعَشِيرَةِ)، فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْتَ الَّذِي قُلْتَ، ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْكَلَامَ؟ قَالَ: (أَيْ عَائِشَةُ، إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ -أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ- اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) (متفق عليه).
قال القرطبي: "وبذيء اللسان يسمَّى سفيهًا؛ لأنَّه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس، وأصحاب العقول الخفيفة".
فاحذر -أخي القارئ- من هذه الصفة؛ لأنها جامعة لكل صفات الشر من سفاهة، ووقاحة، وحماقة، وجهالة، تهلك صاحبها وتجعله ممقوتًا في السماء والأرض، وتوقعه في الشرور والمهالك.