حقوق العباد لا تسقط بالتقادم
كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
كما هو معروف في بعض القوانين الوضعية، أن هناك حقوقًا تسقط بالتقادم إذا مَرَّ عليها زمن طويل، فلا يحق المطالبة بها، بل درج في مخيلة بعض الناس أن الصلاة، والصيام، وقيام الليل، والاستغفار، وأداء الحج والعمرة، والإنفاق، وبذل الخير، وحسن المنطق، سيعفيه من أداء ما عليه من حقوق للعباد سواء كانت مادية أو معنوية!
إن الله -تعالى- لا يغفر أن يشرك به، وله المشيئة في أن يغفر للعبد في تقصيره في الطاعة، فهو حق من حقوق الله، لكن الله يعجِّل له بالعقوبة؛ إما في الدنيا أو الآخرة، إذا أخذ حقًّا من أخيه أو ظلمه، ولا يملك أي مخلوق سواء كان من الملائكة، أو الرسل، أو الأولياء، حتى السماوات والأرض، والجبال، أن تشفع له في هذا الحق.
إذا كانت الحيوانات التي لا تعقل سيحكم الله بينها في ساحة القضاء، فما بالك بحقوق البشر، كما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) (رواه مسلم).
هناك مَن يأكل حقوق الناس سواء إن كان أجيرًا عنده، أو عليه دين وجب قضاؤه؛ استخفافًا واستهانة وكبرًا؛ فليعلم أن الله خصمه يوم القيامة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ اللَّهُ: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ) (رواه البخاري).
فيا مَن تأكل ميراث البنات واليتامى، أو تأخذ أرضًا ليست لك، مستغلًا لنفوذك أو قوتك أو سلطانك؛ اعلم أن الله سيقتص منك جزاءً وفاقًا في الآخرة، واحذر من دعوة المظلوم، فليس بينها وبين الله حجاب، وإليك هذا المشهد من أرض الواقع؛ ليكن لنا عبرة وعظة، فعن سعيد بن زيد -رضي الله عنه-: أَنَّ أَرْوَى خَاصَمَتْهُ فِي بَعْضِ دَارِهِ، فَقَالَ: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ طُوِّقَهُ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَأَعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا فِي دَارِهَا. قَالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، فَبَيْنَمَا هِيَ تَمْشِي فِي الدَّارِ مَرَّتْ عَلَى بِئْرٍ فِي الدَّارِ فَوَقَعَتْ فِيهَا فَكَانَتْ قَبْرَهَا! (رواه مسلم).
فراجع نفسك -أخي القارئ-، فما تبقى لك من العمر فرصة أن ترد الحقوق إلى أهلها قبل أن يأتي يوم لن تملك فيه لا مال، ولا عقار، ولا أولاد، ولا منصب، فيؤخذ من حسناتك، ولن ينفعك الندم أو تقديم الأعذار، قال -تعالى-: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:52).