كتبه/ غريب أبو الحسن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فنستكمل في هذا المقال كلامنا عن أسباب استقرار البيوت واهتزازها، وكنا تكلمنا في المقال السابق عن أدوار الزوجة المركزية والأساسية في بيتها.
- مِن أدوار الزوجة المركزية كذلك: أن تكون متهيئة لزوجها حين يريدها، وأن تعلم أن حاجة الزوج لها حاجة فورية ليست على التراخي، وأن الرجل يعبِّر عن حبه لزوجته بإقباله عليها، وحين تتأمل في خطاب الشريعة للمرأة في أهمية المسارعة في الاستجابة لدعوة الزوج لها، تدرك محورية هذا الدور، وأن استقرار هذا الدور ومعالجة ما يعرض له مِن عقباتٍ على وجه السرعة، بالمصارحة الهادئة بين الزوجين، وأن استقرار هذا الأمر مِن أُسس استقرار البيوت.
- وإذا لم يستقر هذا الأمر سيصعب أن يستقر البيت، وستجد أن المشاكل البسيطة تتحول لخصام وصراع وصراخ، وستنبت الكثير من الخلافات الزوجية التي لا يدري الزوجان مَن زرعها، ولماذا تنمو بتلك السرعة وهذا العنفوان، ولا يدركان أن مَن يسقى تلك الخلافات هي اضطراب واختلال علاقتهما الخاصة.
- ومِن أدوار المرأة المركزية: أن تكون ملجأ زوجها الآمن والعطوف، بعد صراعه خارج المنزل؛ إذا حزن أو خاف أو تحيَّر، يلوذ بها فيبث لها شجونه، ويقول: "دثروني، دثروني"، فيجد منها أذنًا مصغية، وعقلًا متفهمًا، وقلبًا حانيًا فتجيبه: "كلا لن يضيعك الله أبدًا، وتذكِّره بجميل أخلاقه وخصاله".
- وعندما يضعف قيامها بهذا الدور، فيدخل الزوج للبيت بعد يوم عمل شاق، فيجد فتور الاستقبال أو يجد المسارعة بالشكوى، والتأفف من الجيران والأولاد، والمسؤوليات، أو يستقبل بكلمات مقتضبة ثم ينفرد كلٌّ من الزوجين بهاتفه بالساعات، وما يعقب ذلك من تباعد، ثم يستبدل كل منهما عالمه الواقعي وعلاقته بشريك حياته بعالم افتراضي من وهم وخيال، فتحدث الجفوة وتتباعد الأفكار، لتكون لحظات النقاش على أرض الواقع -حين تحدث- أشبه بالماس الكهربائي، مشحونة وقابلة للانفجار!
- ومن أدوار الزوجة المركزية: أن تكون محل ثقة زوجها واستشارته، فيُقبِل عليها مستشيرًا فيما، يؤرقه ويلتبس عليه فتستمع له وتفرد له الوقت، وتظهر له بالغ الاهتمام ثم تشير عليه بالمعروف وتأمل في لجوء النبي -صلى الله عليه وسلم- لزوجته أم سلمة يستشيرها بعد صلح الحديبية، وتأمل كيف أشارت عليه أمنا -رضي الله عنها-، وتأمل في استجابة النبي -صلى الله عليه وسلم- لها، تعلم طبيعة ما ينبغي أن يكون عليه علاقة الزوجة بزوجها.
- وحين تمعن النظر في تلك الأدوار المركزية للزوج والزوجة، ثم تستعرض في ذهنك أنواع الخلافات والمشكلات الزوجية التي مَرَّت عليك أو قرأتها: ستجدها في عامتها ترجع لغياب دور -أو أدوار- مِن الأدوار المركزية لأحد الزوجين، ولعلك قرأت تلك الشكايات المتكررة: إنه لا يُنفِق على البيت، إنه يهملنا ولا يقوم على شئون البيت، إنه مصدر خوف وقلق، إنه يضرب ويقبح، أو: إنها مهملة في نفسها، إنها تهملني، أنا متزوج، ولكن أشعر بالوحدة، إنها ليس لها دور في حياتي.
- وقائمة طويلة من الشكاوى والخلافات تعود لغياب هذا الدور؛ فالاهتمام بأدوار أخرى، مثل: تعليم الأولاد، وتأمين مستقبلهم، ونظافة البيت، وإعداد أطيب الطعام، والمصيف السنوي، وعَدِّد ما شئت من أدوار يقوم بها كلٌّ مِن الزوجين لا تكفي لاستقرار البيوت، إذا غابت تلك الأدوار المركزية؛ فالأدوار المركزية كالأساس لباقي الأدوار، وغيابها لا يقوم مقام تلك الأدوار المركزية.
- إن العلاقة بين شريكي الحياة هي علاقة خاصة، وصُحْبَة طويلة، ورفقة ملاصقة، فكلٌّ منهما للآخر كتاب مفتوح؛ فإن أولى الناس باهتمامك وبرعايتك هو شريك حياتك.
وأولى الناس الذين ينبغي أن تخطط لإسعادهم في الدنيا هو شريك حياتك، فمَن يفعل إن لم تفعل؟!
إن أولى الناس الذين ينبغي أن تفهم وتذاكر ما يسعده هو شريك حياتك، واستقرار البيوت والسكون لشريك الحياة من أهم أسباب السعادة في الدنيا، وتفرُّغ الذهن لطاعة الله -سبحانه وتعالى-.
فما أحوجنا لمراجعة أدوارنا المركزية، ومراجعة تربيتنا لأبنائنا: فنربي أولادنا على التكسب، وتحمل نفقة نفسه، ثم نفقة مَن تلزمه نفقته، وتربيته على تحمُّل المسئولية، والقيام بالمهام الصعبة عن أمه وأخواته البنات، وتربية بناتنا على أن تبدو دائمًا في أجمل صورة، وتربيتها على الاستماع والاحتواء وحسن المشورة.