كتبه/ غريب أبو الحسن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
- فالزواج سنة ماضية؛ شرعه الله -سبحانه وتعالى-، وخَلَق لنا من أنفسنا أزواجًا للسكن والإعفاف، والإنجاب، ولنا فيه منافع أخرى، وحَضَّتِ الشريعة على التعجيل بالزواج عند استطاعة الباءة، وحضت كذلك على حسن الاختيار؛ فعلى الرجل الظفر بذات الدين، الودود الولود، الصالحة في نفسها؛ التي تحفظ الرجل في بيته وماله، وفي نفسها، وعلى أولياء المرأة قبول صاحب الدين والأمانة، والخُلُق الحَسَن.
- وحضت على الرفق بالنساء، فكانت آخر وصايا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التوصية بالنساء، وجعل معيار الخيرية الصادق للرجل هو خيريته لأهله.
- وحضت الشريعة على حسن تبعل المرأة لزوجها، ووضحت عظيم حقه عليها، وأنه جنتها ونارها، وأن خير النساء تلك التي تبادر لصلح زوجها عند الخصام، وتأبى أن تنام إلا أن ترضيه ليرضى عنها ربها.
- ولكن مِن الظواهر المقلقة، ظاهرة تزايد نسبة الطلاق في بلادنا الحبيبة زيادة غير مسبوقة، وتزداد نسبة الطلاق أكثر وأكثر في الثلاث سنوات الأولى من عمر الزواج!
فلماذا هذه الزيادة؟
وأين يكمن الداء؟ ولماذا تستقر بيوت وتهتز أخرى؟
لماذا تعبر بعض الزيجات لبرِّ الأمان، بينما يغرق الكثير منها في بداية الإبحار؟!
دعونا في هذه الكلمات نحاول أن نصل لجذور المشكلة؛ لندرك موطن الخلل، وبيت الداء.
- للزواج غاية وأهداف تدفع الرجل والمرأة للزواج، وحين يتم الزواج ينتظر كلٌّ من الزوجين تحقق هذه الأهداف وتلك الغايات، ولتحقيق تلك الغايات يتحمَّل الزوجان العديد من الواجبات؛ فإن تحقق غايات الزواج لدى الزوجين من أهم أسباب استقرار البيوت، ولن تتحقق هذه الغايات إلا أن يقوم كلٌّ من الزوجين بدوره المطلوب.
- ولكن الأدوار الزوجية كثيرة، والحديث عنها يطول، وليس هذا هو مقصد هذا المقال، بل نقصد في هذا المقال أن نضع أيدينا على الدور المركزي للرجل في بيته، والدور المركزي للمرأة في بيتها، والذي إن وُجِد استقر البيت وكان سببًا لنجاح غيره من الأدوار.
- وستعجب حين تتأمل في هذه الأدوار أن معظم الخلافات الزوجية ترجع لغياب تلك الأدوار المركزية أو التقصير فيها.
دعونا أولًا نبدأ بدور الرجل المركزي.
يمكن أن نلخص دور الرجل المركزي في البيت في:
- قيامه بالنفقة وكفاية بيته وزوجته.
- وتصديه للمهام التي بها مشقة.
- وتحقيق الأمان لأسرته.
ويمكن أن نلخص دور المرأة المركزي في البيت:
- أن تقوم بدورها الأنثوي في البيت؛ فتكون أنثى في ظاهرها وفي باطنها، فتلبي عاطفة الرجل إذا نظر إليها وإذا تحدث معها، أو احتاج لدعمها، وتحتويه بمظهرها، وتحتويه بكلماتها، وتحتويه بمشاعرها.
- وإذا عدنا لدور الرجل المركزي بالبيت بشيء من البسط اليسير؛ سنجد أن مِن أدوار الرجل المركزية: الإنفاق على بيته، بل لا يقدم المرء على الزواج إلا بعد الاستطاعة من توفير المسكن، والقدرة على الإنفاق؛ فضلًا عن القدرة الجسدية.
ويلزم ولي المرأة: أن يتأكد أن مَن يتقدم للزواج منها هو متكسِّب، وعنده المسكن المناسب؛ فقد قال -عز وجل-: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) (النساء: 34)، والنفقة تكون على قدر الاستطاعة؛ فلا يكِّلف الله نفسًا إلا وسعها، وكذلك التأكد مِن تكافؤ المستوى الاجتماعي، والتأكد من مناسبة الطرفين لبعضهما عند الإقدام على الزواج.
- وهذا الإنفاق يكون الرجل مقبلًا عليه، سعيدًا به، محتسبًا تلك النفقة أنها مما يتقرَّب إلى الله به، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ) (رواه مسلم)، ينفق الرجل على أهله بغير إسراف، ولا تقتير، ونحن دائمًا أمة وسطًا.
- ولا تستقر البيوت عندما يتراجع هذا الدور، فتهتز البيوت وتتزلزل عندما يغيب هذا الدور، بل عندما تنفق المرأة على البيت، وما يلزم ذلك من خروجها للعمل دون حاجة؛ فإن ذلك يخصم من دور الرجل ودورها على حدٍّ سواء؛ فليس مطلوب من المرأة أن تنفق على البيت، فإذا أنفقت بغير عمل لغناها مثلًا؛ فإنها تخصم من رصيد الرجل في بيته، وعندما تنفق على بالبيت بالخروج للعمل فإنها تخصم -ولا بد- من اهتمامها بمظهرها في بيتها، ومن رصيد احتوائها لزوجها عاطفيًّا، ومن تفريغ الوقت له والاهتمام بشئونه؛ فتتولد الجفوة والفجوة بين الزوجين، وتشتغل الخلافات بينهما لأتفه الأسباب.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.