كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن أخطر المشكلات التربوية التي تواجه الوالدين في مرحلة التأديب والتهذيب: "مشكلة الكذب"؛ ذلك لأنه سلوك شائع في مرحلة الطفولة يلجأ إليه الطفل ليحصل على شيء محبب لديه، أو هروبًا مِن عقاب، أو استرضاءً لوالديه.
وإن لم يُتدارَك كانت ثماره مُرة وعواقبه وخيمة؛ فمِن ذلك:
- أنه يستمرئ الكذب، ويتحرَّاه، حتى يصير مرضًا مزمنًا، يستعصي على العلاج.
- ينشأ معدوم الشخصية، متهربًا من تحمُّل أعباء الحياة مِن: وظيفة وزواج، وتربية أولاد، ونحو ذلك، فيهرب مِن تحمل هذه المسئوليات متسترًا بالكذب، واختلاق الحكايات، والتمارض وغيره ليهرب من الواقع.
ومِن ثَمَّ يُصبح عضوًا فاسدًا في المجتمع، وقدوة سيئة لمن يقتدي به مِن زوجة وولد وغيره.
- وفوق ذلك، يكون طريقه إلى النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا".
فالكذب يهدي إلى الفجور -وهو الميل والانحراف عن الصراط السوي- ثم يهديه إلى النار، ولا يزال هذا الكاذب في كذبه لا يرعوي، بل يتحرّاه، ويفضِّله على الصدق حتى يُكتب عند الله كذابًا، وبئس هذا الوصف لمَن اتصف به.
فظُن شرًّا بمَن يصير فاجرًا مائلًا عن صراط الله المستقيم، وكُتب عند الله كذابًا من شهادة زور، وأكل حقوق الناس، والكذب عليهم، وقد يكذب على الله تعالى إن كان في منصب ديني؛ باختلاق بدع، أو فتاوى باطلة، أو وضع أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- كما أن وصف الكذاب يلازمه في حياته؛ فلا يُوثق به في خبر أو معاملة، وبعد مماته؛ فلا يُذكر إلا بالوصف السيئ، ويقال: مستراح منه!
هذا، وغيره يجعل الكذب من المشكلات التربوية الخطيرة في مرحلة الطفولة التي تضاعف من مسئولية الوالدين، ويوجب عليهم أن يأخذوا بأسباب نجاة طفلهما منها.
لذلك نقول -والاستعانة بالله-:
- تعريف الكذب لغة: الإخبار بخلاف الواقع؛ كذب الشّخص: إذا أخبر عن الشّيء بخلاف ما هو عليه في الواقع، عكسه صدَق، وكذَبَ عليه: أَخبر عنه بما لم يكن فيه (المعجم الوسيط).
وقالوا: حبل الكذب قصير: أي: لا يدوم، وسرعان ما ينكشف (معجم اللغة العربية المعاصرة).
والكاذب أيضًا: المختلق لأقوال غير صحيحة.
- تعريف الكذب اصطلاحًا: قال النووي رحمه الله: (الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عليه، عمدًا كان أو سهوًا؛ سواء كان الإخبار عن ماضٍ أو مستقبلٍ).
وكذا عرَّفه علماء علم النفس؛ قالوا: "مخالفة قول الحقيقة أو إخفاؤها لغرضٍ ما".
- أشكال الكذب:
يأخذ الكذب أشكالاً عِدَّة، فمِن ذلك:
1- قلب الحقيقة: يدَّعي -مثلًا- أنه قد صلّى، وهو في الحقيقة لم يصلِّ إلا صلاتين مثلًا.
2- المبالغة في الحديث: وهذه غالبًا يأخذها من أحد والديه أو أقاربه.
3- التورية والتعريض: وهذه غالبًا يأخذها أيضًا مِن أحد والديه عندما يبرر كذبه بأنه تعريض جائز، وليس كذبًا؛ فيأخذ هذه الصفة، ويصبح هروبه مِن المواقف كلها بالتعريض، وإن قيل له: إن هذا كذب. قال: هذا تعريض.
4- الاختلاق: يختلق قصة لم تحدث أصلًا.
وللحديث بقية إن شاء الله.