كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
العناد المرضي:
تكلمنا في المقال السابق عن مشكلة العناد، وبيَّنا أن منه المحمود، وهذا ينبغي أن يُربى عليه الطفل، ومنه المذموم، وهو نوعان: مشكِل ومرضي، وهذا ما سنعالجه في هذا المقال -إن شاء الله-.
علاج العناد المشكل:
- المقصود بالعناد المشكل: الذي إن تُرك بدون علاج سيمثِّل مشكلة فيما بعد للأسرة، وللمدرسين، بل وقد تمتد إلى عمله وحياته الزوجية فيما بعد، فتُطبع حياته بالعناد المستمر، وعدم المبالاة والاستهتار، والانصراف عن التعلُّم وعما ينفعه، وقد لا يتواءم مع حياته الاجتماعية فيما بعد، وقد تصل إلى مرضٍ نفسي وعقلي.
وعلاجه يكون بالخطوات التالية:
- الوقاية خير من العلاج؛ فعلى الأبوين الكريمين تربية ولدهما على الإيمان بالله -تعالى-، ومحبته، ومحبة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ومحبة الصحابة -رضي الله عنهم-، وحب الصلاة، وحب القرآن، وأهمية حفظه، وتشجيعه على ذلك.
- لا بد من تربيته على الأخلاق الطيبة والآداب الحسنة، وأهمية الطاعة للأبوين في المعروف، وأنه بذلك ينال محبة والديه، ومِن ثَمَّ محبة الله -تعالى-؛ لأن رضا الوالدين من رضا الله -تعالى-؛ ذلك لأن الإيمان لازمه السكينة والطمأنينة، وانشراح الصدر وراحة البال.
- وأن يُبغض إليه خُلُق العناد، وأنه إن شبَّ به كرهه الناس ونفروا منه؛ بل لا بد من الطاعة في المعروف والصواب.
- ويُعلَّم أن كلَّ إنسان له خطأ وصواب؛ والممدوح مَن رجع إلى الصواب إذا تبيَّن له، والمذموم هو مَن يُصرّ على خطئه، ولا يرجع عنه.
- القدوة من الأبوين في ذلك: فلا يمكن أبدًا أن نربي الطفل علي الطاعة وعدم المعصية، والأم مثلًا تُظهر عصيانًا لزوجها، أو الأب يصر على الخطأ مع ظهور الصواب؛ فمتى يستقيم الظل والعود أعوج!
فما أعظم خلق الاعتذار إذا أخطأ الإنسان، ولو رأى الطفل هذه الصفة في أبويه كانت تربية عملية له، تنسف إن شاء الله خُلُق العناد المذموم.
- أهمية القصص الهادف الذي يحكيه الأبوان لطفلهما عن بر الوالدين، ومظاهر هذا البر، ومنه الطاعة لهما في المعروف، والتحذير من العقوق، ولا بأس بقصص الحيوانات التي عُقدتها: ذم العناد، وهذا أسلوب ناجح جدًّا، ويحبه الطفل، وهو من أحسن المداخل في التربية: التربية بالقصة الهادفة.
نحو ما في هذه الروابط:
- https://youtu.be/p5oIgN6OPf4
- https://www.tiflisaghir.com/2017/02/blog-post_17.html
- أهمية الحوار الهادف بين الأبوين وطفلهما، وأن تُترك الفرصة للطفل ليعبِّر عن رأيه، وأن يُساعَد على ذلك، حتى يتعوَّد إذا عبَّر عن رأيه أن يقويه بالحجج والبراهين، وأن يتصلَّب في الحق الذي يدعمه الدليل، ومِن خلال الحوار يتعرف على أسباب عناده، وبمعرفة السبب يسهل العلاج إن شاء الله.
- أهمية أن نمنحه فرصة الاستقلالية في قيامه بعمل مفيد، ونشجعه على ذلك؛ حتى يشعر بأهمية شخصيته، ولعل ذلك يسوقه نحو الانصياع والطاعة.
- ماذا نفعل إذا كان الطفل في عنادٍ وانفعالٍ شديدٍ؟
أولًا: لا بد وأن نُهدئ من روعه، ونذهب عنه غضبه مع الصبر والتأني، والحديث معه بحب ودفء؛ فالطفل يرفض اللهجة الجافة، ويتقبل الرجاء.
وقد أثبتت التجارب العملية أن الطفل بمثل هذا التعامل يميل إلى السكون والطاعة، ثم ينبغي أن يُكافئ عندما يترك أسلوبه السلبي.
ثانيًا: إذا فشلت الجهود السلمية؛ فلا بد من أسلوب الإنذار، والتلويح بالعقاب، ولا بد من تنفيذه هذا الأمر الذي غضب من أجله إذا كان صوابًا ونافعًا له، ولا تحملن العاطفة أو الخوف من غضبه ثانية إلى تركه؛ فهذا سيزيد في عناده؛ لأنه قد عَلِم أن غضبه كان سببًا في انصياع والديه لمطالبه، ومِن ثَمَّ عندما يذهب إلى المدرسة، وأراد التخلص من التكاليف؛ فإنه سيلجأ إلى أسلوب العناد، بل يصير ذلك طبعًا له عندما يشب ويتعامل مع الآخرين؛ فأي إصلاح يُرجَى لهذا الطفل بعد هذا؟!
- لا يصح الجمود على أسلوب لم يُفلح علاجًا مع الطفل؛ لأن الهدفَ هو صلاح الطفل واستقامته، لا كسره واعوجاجه.
ومن أساليب المعالجة: تجاهل الطفل وتركه؛ فإذا لجأ إلى الصراخ يُترك حتى ينتهي من صراخه، ولا يتدخل أحد لتهدئته، عندئذٍ يراجع نفسه، ويرجع إلى صوابه، ويعلم أن صراخه ليس طريقًا صحيحًا للوصول إلى ما يريد؛ فقد بيَّنت الدراسات والتجارب أن هذا التجاهل يفيد كثيرًا في تقويم سلوك العناد عند بعض الأطفال.
- بعض الدراسات تقول: إن العقاب الفوري مع بعض الأطفال يُفيد؛ لا سيما إذا جُرِّب معه من قبل: كالعقاب بالحرمان من نزهةٍ معينةٍ محببةٍ لنفسه، أو طعامٍ محبب، ونحو ذلك مما يحبه، وينبغي هنا ألا يتدخل أحد -خاصة الجَدين- في إشباع ما حُرِم منه الطفل عقابًا.
ولا ينبغي أن ينتهي الموقف دون حلٍّ، أو يؤجل إلى وقتٍ لاحقٍ؛ فإن الفائدة المرجوة منه ستنقطع؛ لأن الطفلَ سيشعر أنه قد رَبَح المعركة؛ مما يدفعه إلى تكراره، ويزيد في معصيته وعناده.
وللحديث بقية إن شاء الله.