كتبه/ حسن حسونة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد تكلمنا في المقال السابق عن صورٍ من غفلة الآباء، وصور من كيد الأعداء، وسنتكلم في مقالنا هذا عن أسباب النجاة.
تبدأ هذه الأسباب حينما يبدأ المسلم بنفسه فيهذبها ويؤدبها ويصلحها؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، فيحقق جانب العبودية لله، والخضوع والتذلل والانكسار، ويحقق الإيمان والإحسان، قال تعالى: "قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ"، فصلاح الآباء ينتفع به الأبناء: "وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ".
وبيان ذلك أيضًا في قصة الجدار من سورة الكهف، حينما أرسل الله الخضر عليه السلام ومعه الكليم موسى عليه السلام ليرفعا الجدار، وكان تحته كنزٌ لغلامين يتيمين، والسبب في ذلك: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا"؛ فلنتأمل ذلك، فصلاح الآباء نافع للأبناء، قال سعيد بن المسيب لابنه: "والله إني لأكثر الصلاة بالليل لأجلك".
فإذا ما أحسن المسلم من نفسه وحاله، وأراد الزواج؛ فليحسن الاختيار، ويحقق اختيار النبي صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" (رواه البخاري)، أي: التصقت بالتراب؛ فهي إما البركة والخير الذي يتحصل من اختيار صاحبة الدِّين، أو الندم والخسران إذا اخترت غيرها.
ثم عليه أن يقيم عرسه في طاعة لله، ويجتنب ما حرَّم الله؛ لتحل له البركة والخير، ويدعو بالولد الصالح كما فعل أنبياء الله، فزكريا عليه السلام يقول: "وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا"، وقال: "رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ"، وكذلك إبراهيم عليه السلام قال: "رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ".
فإذا قدر الجنين تكثر الأم من الاستماع للقرآن والذكر، فقد أثبتت دراسات وتجارب أن الجنين يتأثر بما تسمعه الأم، فإذا استهل مولودها فإنه يصرخ من نخسة الشيطان له وطعنه في خاصرته، كما أخبر بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم، فأول ما يسمع، يسمع كلمات الأذان يؤذن في أذنه اليمنى ويقام في اليسرى، ويحنك بأن تمضغ تمرة ويجعل في فيه مِن ريقها، ويختار له والده اسمًا جميلًا يدل على انتمائه لدينه، فكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم أن يغير الاسم القبيح، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن" (رواه مسلم).
وعند السابع تذبح له عقيقة؛ فكل غلام مرهون بعقيقته؛ للغلام شاتان متكافئتان، وللجارية شاة واحدة، ويحلق شعره ويتصدق بوزنه فضة.
ثم مع بداية كلامه، فأول كلمة ينطق بها كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"، ويُعلَّم الأسئلة: مَن خلق السماء والأرض والجبال والبحار؟ وهكذا، ويجاب عليها: "الله"، ويحفظ السور القصار، ويتعلم الصلاة ويتدرب عليها، وهكذا سائر الطاعات، فإذا نما وكبر أصبحت هذه الطاعات بمثابة الهواء الذي يستنشقه، والماء الذي يشربه، ويُربَّى على الحلال والحرام، والصدق والأمانة، وسائر الأخلاق الطيبة، وحفظ السر؛ لأنه من الأمانة.
ومن أمثلة ذلك:
حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك لأمر له، فتأخر أنس على أمه، فسألته لما عاد أين كنت؟ قال: كنت في أمر للنبي صلى الله عليه وسلم. قالت: ما هو؟ قال: إنه سر. قالت: زادك الله حرصًا، احفظ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس لثابت البناني: لو أخبرت أمي لأخبرتك.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.