كتبه/ عصام حسنين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
إن مما ينبغي أن يتعلمه المربي الفاضل ويتمرسه: كيفية معالجة خطأ طفله.
- فإن أخطأ الطفل -ولا بد أن يخطئ- فينبغي أن تعالج خطأه بالحكمة والإقناع، وهذا نتعلمه من رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، فعن أَبِي رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا غُلاَمٌ أَرْمِي نَخْلاً لِلأَنْصَارِ فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقِيلَ: إِنَّ هَا هُنَا غُلاَمًا يَرْمِى نَخْلَنَا، فَأُتِىَ بِي إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (يَا غُلاَمُ لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ). قَالَ: قُلْتُ: آكُلُ. قَالَ: (فَلاَ تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مَا يَسْقُطُ فِي أَسْافِلِهَا)، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ) (رواه أبو داود، وحسنه الحافظ ابن حجر، وقال الألباني: في إسناده جهالة، لكنه يتقوى بطريق آخر).
- وليكن هذا على انفرادٍ في جلسة يغلب عليها الرحمة وإظهار الشفقة، فهي أدعى -إن شاء الله- لقبولها، كما وجدنا وصايا الآباء للأبناء في القرآن تقوم على ذلك، قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان:13)، الآيات.
- وأن تُعلَّق العصا في مكان ظاهر يراه الطفل، فهناك مِن الأطفال مَن يُردعه مجرد رؤية العصا، أو السوط، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، فقال: (عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ) (رواه الطبراني في "المعجم الكبير"، وحسنه الألباني).
قال ابن الأنباري: "لم يُرد الضرب به؛ لأنه لم يأمر بذلك أحدًا، وإنما أراد لا ترفع أدبك عنهم" (فيض القدير).
وكان لأبي محمد العكبري سوط مُعلّق في منزله، فإذا سُئِل عنه، قال: "ليُرهب العيال منه" (البداية والنهاية 6/139).
وأن يخوِّفه به إن تكرّر خطؤه، ولا يُهمله أو يغفل عنه؛ فإن تأديبه ومنعه مما يفسده مسئوليته، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلاَ لاَ يَجْنِي جَانٍ إِلاَّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَلاَ مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، والجناية: الذنب والجرم.
- وإن أخطأ الولد تجهمت في وجهه؛ لتعلن أنك غير راضٍ عن فعله، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا اطَّلَعَ عَلَى أَحَدٍ مِن أَهْلِ بَيْتِهِ كَذَبَ كَذْبَةً، لم يَزَل مُعْرِضًا عَنْهُ حَتَّى يُحِدْثَ تَوْبَةً" (رواه أحمد، وصححه الألباني).
- وإن اعتذر الولد؛ قبلتَ اعتذاره، وقوَّمت سلوكه، وتحوّل غضبك إلى ابتسامة حانية راضية.
- وإن عاد إلى الخطأ، فاحذر الغضب، وإن كان لا بد من عقاب، فافعله وأنت هادئ؛ لأن الغرض الإصلاح والتأديب، لا الانتقام والتشفي، وانظر إلى تأديبه -صلى الله عليه وسلم-، فعن أنس -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَذْهَبُ، وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ: (يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ)، قُلْتُ: نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. (رواه مسلم).
- وللضرب قواعد:
ليس الضرب هو الأصل؛ إنما يلجأ إليه عند استنفاد الوسائل الأخرى للتأديب، أو الحمل على الطاعات الواجبة.
- وأن لا يكون قبل العاشرة لأجل الصلاة؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، فهذا الأمر بالضرب بالنسبة للصلاة، أما دونها من الأمور الحياتية والسلوكية، فلا يضرب عليها إلا ضربًا دون ضرب الصلاة للتهذيب.
- وأن يقلّل منه ما أمكن؛ كالملح القليل للطعام؛ يصلحه ولا يفسده، فقد كتب عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- إلى الأمصار يقول: "لا يُقرن المعلم فوق ثلاث؛ فإنها مخافة للطفل".
وقال القاضي "شريح": "لا يُضرب الصبي على القرآن إلا ثلاثًا، كما غطَّ جبريل -عليه السلام- محمدًا -صلى الله عليه وسلم- ثلاثًا".
- وأن يجتنب الوجه والمواضع الحساسة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ؛ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ) (رواه وأبو داود، وصححه الألباني).
- وإذا استغـاث الطفـل بالله -تعالى- فيـجب التوقف؛ تعظيمًا لله -تعالى- فـي نفسه، ويقـول: تركـتـك مـن أجـل تعظيمك لاسم الله -تعالى-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اسْتَعَاذَكُمْ بِاللَّهِ؛ فَأَعِيذُوهُ، وَمَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ، فَأَعْطُوهُ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
- قال الطيبي -رحمه الله-: "هذا إذا كان الضرب تأديبًا، وأما إذا كان حدًّا فلا، وكذا إذا استغاث مكرًا" (تحفة الأحوذي).
- وليحذر القسوة والعنف؛ فإنها مخالفة للشرع، ويترتب عليها مفاسد كثيرة.
قال ابن خلدون -رحمه الله-: "الشدة على المتعلمين مضرة بهم ... ومَن كان مربَّاه -أي: تربيته- بالعسف والقهر من المتعلمين، أو المماليك، أو الخدم سطا -أي: سيطر- به القهر، وضيَّق القهر على النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحمله على الكذب والخبث؛ خوفـًا من انبساط الأيدي بالقهر عليه، وعلَّمه المكر والخديعة لذلك، وصارت هذه له عادة وخُلُقـًا، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن، وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله، وصار عِيالًا على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل، والخُلق الجميل، فانقبضت عن غايتها، ومدى إنسانيتها، فارتكس وعاد في أسفل السافلين، وهكذا وقع في كل أمة حصلت في قبضة القهر، ونال منها العسف، واعتبرْه في كلِّ مَن يملك أمره عليه، ولا تكون الملكة الكافلة له رفيقة به... فينبغي للمعلم في متعلمه، والوالد في ولده أن لا يستبدا عليه في التأديب، وقد قال محمد بن أبي زيد: "لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم، إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئًا"، ومن كلام عمر -رضي الله عنه-: "من لم يؤدّبه الشرع؛ لا أدّبه الله"؛ حرصًا على صون النفس عن مذلة التأنيب، وعلمًا بأن المقدار الذي عيّنه الشرع لذلك أملك له، فإنه أعلم بمصلحته" (انتهى بتصرفٍ من "المقدمة، المجلد السادس").
- من هذه الصفات تبدأ التربية الرشيدة، وتذلل المشاكل والعقبات، ولا توفيق إلا بالله، عليه يتوكل المتوكلون.