كتبه/ مصعب أمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتعتبر بعض المراجع أن الإكسير مادة إذا ألقيت على الفضة حوَّلتها إلى ذهب، وإن صح استصحابها هنا؛ فيمكننا القول بأن الأمل هو القيمة التي تضاف إلى حياة الشباب فتحولها إلى سعي وإصلاح؛ لهذا جاء عنوان المقال: "إكسير الإصلاح"، وأعني به الأمل الذي لدى الشباب.
والمتأمل في كثيرٍ مما جاءت به شريعتنا، يجد أن الأمل قيمة إسلامية في ديننا رغَّب فيها أهله في مواطن كثيرة، وسواء كان في علاقة الإنسان بالله أو بغير ذلك وجدنا العبد قد حُبب إليه الأمل والطموح في الخير دائمًا، وكُرِّه إليه اليأس والقنوط.
لكن تحت ضغط واقعنا المعاصر لمجتمعات الأمة اليوم قد تتناقص هذه القيمة في أذهان الكثير مِن الشباب أحيانًا، رغم أنه واقع ليس بالجديد، ولا هو بالذي أسوأ مِن ذي قبل، ولولا أمل لدى الأجيال السابقة ربما ما كانت لتكون حضارتنا على كثيرٍ مما هي عليه حتى عصر ليس منا ببعيد، وحقيقة لا يوجد بعد شدة هذا الواقع مثل أن يتسرب اليأس فيه إلى دعاة الإصلاح.
وسواء كان السبب في هذا الضعف أمام الواقع هو جلد المشروعات الوافدة إلينا، أو العجز عن مواجهتها، إلا أننا وبشيءٍ مِن الأمانة مسئولون عن السعي دائمًا -وبقوة- في حلولٍ لأزمات الأمة، ولا نكون نحن أيضًا ممَن يضيفون المشكلات إليها، فليس الشباب مِن حملة المناهج الإصلاحية بالذي يتقوقع على نفسه ممنيًا النفس بتغيرات أو تطلعات لا تسمن ولا تغني مِن دورٍ إصلاحيٍ.
ولذا فإن أفضل ما يمكن لجيل الشباب أن يخدم به دعوته، هو أن يظل محتفظًا بالأمل في نفسه كان أو في دوره، فالكثير مِن أهداف وخطط المؤسسات الإصلاحية حين يتم وضعها تكون آخذة في الاعتبار دور الشباب فيها، ويوم أن تغيب روحهم وقدراتهم فلا قيمة لهذه الأهداف ولا الخطط حينئذٍ.
وفي ظل أزمات المجتمع مِن حولنا وحاجته إلى أي قدرٍ مِن الجهود الإصلاحية، فإننا في حاجة إلى أن نكون أكثر حركة مما نحن عليه اليوم، وفي إمكاننا ذلك -بإذن الله-، وما عند الله للمحسنين والمصلحين كثيرًا ما يجري بخلاف ما يظنه البعض، وبتقديرات لم تكون منظورة لنا.
إن الأمل هو النور الداخلي للشباب الذي ينبغي علينا إيقاده، وحينها سيكون مِن السهل أن نوقد نورًا في فردٍ آخر أو أسرةٍ أو مجتمعٍ، ولا تزال المجتمعات -وستظل- في حاجة إلى الشريعة والفضيلة، وإصلاح نظم الحياة، بما لا يقل عن حاجتها إلى الطعام والشراب والغذاء والدواء؛ وإلا فإن غير ذلك يجعل علمنا الذي نحمله مما يتعوذ منه.
إن أمل كل واحد منا على مستوى الفرد في أموره العلمية أو المهنية وغيرها يستلزم في العادة أخذ خطوات جادة في سبل تحقيقه، وكذلك أملنا في إصلاح المجتمعات مِن حولنا لا يتأتى بدون السعي والانخراط فيه لفهم طبيعته والعمل فيه لإحداث هذا التغيير الاجتماعي، وأمل الشباب كذلك في أن تصبح مؤسساتهم قوية ويتنامى دورها في حياة الناس، لن يكون إلا بتواصلهم وتفاعلهم مع قياداتها وفي إداراتها، ليعبِّروا عن تطلعاتهم في الوجه الذي ينبغي أن تكون عليه.
إن علينا أن نكون أملًا في دعوتنا لا ألمًا، وإني لآمل أن ندرك كشبابٍ أن هناك ضرورات أكيدة لنا؛ بأن يجمع كل منا بيْن نفع نفسه ونفع الناس، فقيام أحدنا بأي دورٍ صغيرًا كان أم كبيرًا في الاتجاه الصحيح، هو أنفع لنا وللأمة مِن إطلاق الآمال هنا وهناك.