السؤال:
بعض المفتين يقولون: إن الحكمة في تحريم المعازف والغناء هو أن نتجنب الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فإذا ما لم تلهي عن الصلاة؛ فلا حرج فيها.
وقالوا: إن الحكمة من تحريم سفر المرأة بدون محرم هو تحقيق الأمن للمرأة؛ فإذا ما تحقق الأمن؛ جاز لها السفر.
وقالوا مثلاً: إن الحكمة من تحريم الخلوة والاختلاط هو تجنب وقوع الفاحشة، فإذا تجنبنا وقوعها جاز الاختلاط، ويحتجون بحديث: (لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ العَصْرَ إِلا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) (متفق عليه).
وقالوا: إنه فريق من الصحابة طبقوا الحكمة من الأمر، وفريق طبقوا ظاهره، فنحن يجب أن نطبق الحكمة من النص وليس ظاهره، فهل هذا الكلام صواب؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا الكلام باطل ظاهر البطلان، والحديث الذي احتجوا به حجة عليهم لا لهم؛ فلو كان ما يقولونه حقـًّا؛ أعني أنه يجب أن نطبق الحكمة مِن النص ليس ظاهره -كما ورد في السؤال- لو كان الأمر كذلك لكان متقررًا عند الصحابة، ولما اختلفوا، ولأخذوا جميعًا بالحكمة من النص فصلوا في الطريق، ولكن لما لم يكن متقررًا لديهم ذلك اجتهدوا في الأمر واختلفوا.
والحكمة في الأمر والنهي إذا لم يكن منصوصًا عليها فلا سبيل إلى الجزم بها، والمسلك الصحيح هو أن يقول المؤمنون كما أمر الله سمعًا وطاعة، ويبادروا إلى الامتثال، وهكذا كان الصحابة يصنعون كما حدث عند تحريم الخمر فسارعوا إلى إراقتها، وعندما حرمت الحمر الأهلية أكفئت القدور وإنها لتغلي بها.
وأما زعمهم في المسائل الثلاث ما زعموا؛ فكذب وزور وباطل، فمحال أن يخبر الله -سبحانه- أن لهو الحديث يضل عن سبيل الله، ثم يقول قائل: إنه لا يضلني، ومحال أن يخبر الله عن الخمر والميسر أنه يصد بهما الشيطان الناس عن ذكر الله وعن الصلاة، ثم يقول قائل: إنه لن يصدني أنا، فألعب الميسر وأشرب الخمر، فمن استحل ذلك بهذا التأويل يستتاب.
وأما قولهم: إن الخلوة بالأجنبية والاختلاط المحرم لن تقع منه الفاحشة فجهل عظيم، والزنا ليس فقط زنا الفرج، بل زنا الأعضاء كذلك، وهل انتهت الهرمونات مِن أجسامهم وتلفت أعصابهم أم انعدمت شهواتهم ولم يعد الرجال رجالاً والنساء نساءً؟! فهذا كذب على الشرع وعلى الفطرة.