كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مرحلة المراهقة مِن المراحل الحرجة في عمر الإنسان، وبها تحدث كثير مِن التغيرات الفسيولوجية والسيكولوجية كما تكثر في هذه المرحلة الانحرافات السلوكية.
ومِن أهم أسباب الانحراف في سنِّ المراهقة:
1- نقص الخبرة الحياتية وضعف التوجيه التربوي.
2- ضعف مراقبة الله -عز وجل- ونقص المتابعة وغياب المعايشة التربوية.
3- سيطرة قرناء السوء.
ونتناول هنا أهمية الصحبة، وأثرها الإيجابي أو السلبي على المراهق، فالصديق يتأثر بصديقه تأثرًا بالغًا، وقد أثبتت الدراسات العلمية أنك إذا صاحبتَ شخصًا ولازمته مدة ثلاثة شهور، فإن كثيرًا مِن صفاته تنتقل إليك، بل قد تتطبع بكثيرٍ مِن طباعه، ومِن هنا تظهر أهمية اختيار الصحبة الصالحة حتى تتأثر بما فيهم مِن الخير، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
اعلم -أخي الحبيب-: أن الصداقة شيء لازم لكل إنسان، فالإنسان اجتماعي بطبعه، يأنس بالناس وبالحوار معهم، فعندما دعا إبراهيم -عليه السلام- لزوجته وابنه عندما تركهما في وادٍ غير ذي زرعٍ، قال: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم:37)، فطلب لهم الأنس، ولما تفجر بئر زمزم أذِنت هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام- للقوم أن يعيشوا معهما حول الماء.
وعمومًا فالصداقة لازمة لنمو أبنائنا -خاصة المراهقين منهم- اجتماعيًّا ونفسيًّا وشخصيًّا، فالأصدقاء يتشاركون نفس الاهتمامات، وتقريبًا نفس الظروف والمشاكل العمرية، ومِن هنا تتبلور شخصية المراهق ويتعلم كيف يتعامل مع المجتمع مِن حوله، لكنه للأسف قد يتعلم ذلك مِن أصدقائه، فالصداقة هي الجذور الجديدة التي تمتد لأبنائنا خارج البيت، ومنها يكتسبون مصدرًا جديدًا للتغذية، فتبدأ نفوسهم وشخصياتهم تتغذى مِن سلوكيات وانفعالات أصدقائهم ومعلميهم خارج المنزل؛ وذلك لأنهم يتعاملون معهم أغلب اليوم، بل قد يتعاملون مع أصدقائهم أكثر مما يتعاملون مع أهلهم وأسرتهم.
ومِن هنا كان لابد للمربي وللأهل مِن اهتمام خاص بالصداقات التي يكوِّنها أبناؤهم، وينبغي للوالد أن يجلس مع ولده المراهق في جلسة هادئة قائلًا له: "حدثني عن صديقك فلان"، حتى تتعرف على أصدقاء ولدك بطريقةٍ ليس فيها تحقيق.
فقرناء السوء مِن أخطر وأشد العقبات التي تواجِه المراهقين؛ فقرناء السوء يورثون غيرهم سيئ الصفات، وقرين السوء مِن أهم أسباب ظهور السلوكيات السلبية في شخصية المراهق؛ وذلك بسبب كثرة المعايشة بيْن الأصدقاء، فيؤدي ذلك إلى سرعة انتقال الصفات السيئة إلى غيرهم، ومع نقص الخبرة الحياتية للمراهقين وضعف التوجيه التربوي فإنهم يتأثرون بسهولةٍ بغيرهم دون أن يشعروا بخطورة ما هم مقدمون عليه، فالمراهق مِن أشد الناس تأثيرًا على المراهقين أمثاله.
وهنا يظهر أثر التربية وأهمية التوجيه لمواجهة قرناء السوء ومساندة الأبناء واحتوائهم في هذه المرحلة وعدم القسوة عليهم في التربية؛ حتى لا تتحول القسوة إلى ردة فعل من المراهق في صورة انتقام من المجتمع وخصوصًا أسرته، فيهرب الشاب مِن قسوة أهله إلى احتواء قرناء السوء له ويكون أسرع استجابة لمؤثراتهم، ولا يهتم عندها بما ينفعه وما يضره، بل يهرب مِن قسوة الأهل إلى الراحة مع الأصدقاء، وتتسبب القسوة عندها في رد فعل انتقامي للمراهق للمجتمع ولأهله، فيترك نفسه للفساد لمجرد أن يعارض أهله وينغص عليهم عيشهم أو يتجه إلى الانطواء والانعزال عن المجتمع.
وللحديث بقية -إن شاء الله-.