الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد نشرنا على موقع "صوت السلف" فتوى لـ د."ياسر برهامي"، جاء فيها:
السؤال:
بالأمس القريب المشايخ والعلماء وهيئة كبار العلماء منعوا مِن قيادة المرأة للسيارة في السعودية؛ لأن الدولة تريد ذلك، والآن نفس المشايخ والعلماء يقولون بالجواز وأنه مباح، وأن الأصل في الأشياء الإباحة؛ لأن الدولة تريد ذلك! فهل الحلال ما أحل الحاكم، والحرام ما حرمه؟
أليستْ مثل هذه التصرفات ممن يُقال عنهم مشايخ وعلماء تسبب تذبذبًا عند الشباب المحب لدينه؟!
أليستْ هذه التصرفات قد تؤدي بالبعض إلى الكفر بكل المشايخ، وأنهم عملاء للسلطان، وتفقد ثقة الشباب والمسلمين بهم جميعًا، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى الإلحاد؟!
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمسألة قيادة المرأة للسيارة مبنية عند مَن منعها مِن العلماء قديمًا وحديثًا على سد الذرائع، وليس دليلًا صريحًا مِن الكتاب والسُّنة والإجماع، وسد الذرائع قد يتغير الأمر فيه حسب غلبة الظن بحصول المفسدة مِن عدمها.
ورغم أن الأمر قد تغير بالسماح للمرأة بالقيادة؛ إلا أني أرى أن اجتهاد العلماء لم يتغير؛ لأنهم حين منعوا، منعوا مِن أجل الخوف مِن المفاسد، وحين أباحوا قيَّدوا الأمر بضوابط تَمنع المفاسد؛ فلو وقع خلاف ما اشترطوه وضبطوه، وصدر في المرسوم؛ لم يكن عليهم الإثم فيما وقع مِن مفاسد، بل على مَن خالف الضوابط.
والطعن فيهم لا يجوز، والاستهزاء بهم وتسميتهم بعلماء السلطان، جريمة تهدف إلى فصل الشباب وعامة الناس عن العلم وأهله، وإلقائهم إلى فتاوى الجُهال والمبتدعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وبعد النشر علـَّق فضيلة الشيخ د."محمد إبراهيم السعيدي" أستاذ أصول الفقه بجامعة أم القرى، بقوله: (بارك الله فيكم فضيلة الشيخ، وأحب أن أضيف: "قولُ السائل: إن العلماء منعوا قيادة المرأة؛ لأن الدولة كانت تريد ذلك"، غير صحيح، فالدولة منعت قيادة المرأة؛ لأن العلماء يريدون ذلك؛ فالدولة ليس لها مصلحة في منع قيادة المرأة حين كانت تمنعها، ولم يدفعها لذلك سوى فتوى العلماء؛ إذ إن الدولة تعرضتْ بسبب منعها لقيادة المرأة لضغوطاتٍ دولية: أجنبية وعربية، سياسية وإعلامية، وصمدتْ أمام هذه الضغوطات كثيرًا؛ تلبية لإرادة العلماء، وليس العكس.
كما أن مَن كان يفتي مِن العلماء بالتحريم: كالشيخ عبد العزيز آل الشيخ، والشيخ صالح الفوزان، وغيرهم، لم يصدر عنهم أي فتوى جديدة، ولم يزالوا على ما كانوا عليه، ونص الأمر السامي يدل على ذلك، فالأمر السامي لم يَذكر أن العلماء تراجعوا، بل ذكر أنهم اختلفوا، وأن مستند المانعين منهم هو "سد الذريعة"، ولما كانت الدولة هي حارسة القيم، فقد التزمت بمنع الذرائع الدافعة إلى التحريم. هذا ما حصل، والحمد لله رب العالمين).