كتبه/ وليد محمد عبد الجواد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
هو أخي وحبيبي في الله، ورفيقي في الدرب.
عرفته منذ أكثر مِن 18عامًا، هادئ الطبع، يعمل في صمت ودون ضجيج، وقد لا تشعر به وهو بجوارك، قليل الكلام لا يتكلم إلا إذا طـُلب منه، لا يتدخل فيما لا يعنيه.
كان محافظـًا على الصلاة والأوراد، مجدًّا في طلب العلم مِن كل مكان، راعيًا متفقدًا لكل مَن حوله، لا يتعالى على أحدٍ، صدوقًا في كلمته ونصيحته.
بدأ العمل في طريق الدعوة مع الطلائع؛ فأظهر مهارة فائقة في تربيه النشء والعناية بهم؛ فتخرج على يده جيل، بل أجيال مِن أطباء ومهندسين ومدرسين؛ ذوو صبغة سلفية مميزة، لا تزال تراهم وترى أثر غرزه فيهم.
اهتم بأمور التربية القلبية والفكرية، وصال وجال -رحمه الله- في هذه الملفات حتى صار له سهم كبير فيها، وصار مرجعًا للشباب في هذه الأبواب، وكان يحافظ على أي عمل يبدأه ولا ينقطع، وينميه ويتعاهده حتى ينمو ويكبر، ويصير -بإذن الله- شيئًا عظيمًا.
ثم انتقل إلى العمل في قطاع الشباب والجامعة؛ فأبلى بلاءً حسنًا، وكان كسابق عهده في كل الأعمال التي توكل إليه؛ لا يكل ولا يمل حتى ظهر على يديه خير كثير.
جاءني يومًا ما، وكان له طلب يقضيه في التأمين الصحي؛ فرأى عندي زحامًا شديدًا، فقال لي: "لا أقضي حاجتي حتى تنقضي حاجة جموع الناس"، وجلس بجواري.
هاتفني قبْل الحادث بيومٍ، وقال لي: أريد أن أجلس معك -في ساعة متأخرة مِن الليل مِن رمضان-، فقلت له: غدا. فقال لي: بل الآن، ثم جاءني وجلس إليَّ وقتًا طويلاً على غير العادة يراجع معي كل ملفات الدعوة في رمضان، وأمورًا شخصية لم أعهد منه الحديث فيها، وخصوصًا في هذا الوقت! ثم قلتُ له: كيف حالك في رمضان؟ فقال لي: لقد جهزت رمضان هذا العام بطريقةٍ مختلفةٍ عن كل الأعوام، وأعددتُ لنفسي خطة أسير عليها.
تنقل لي زوجته أنه كان يكثر في آخر أسبوعين مِن حياته قبْل الحادث أن يطلب منها أن تسامحه.
يشهد له كل مشايخه ومَن طلب العلم على يده بدماثة أخلاقه، وصفو سريرته، ويكفيه شهادة شيخه ومربيه الشيخ "طه الحفناوي" -رحمه الله-، حيث كان يقول: "إن هذا الأخ يديه خضراء، أينما وضع يديه ظهرت الثمار!".
كانت الدعوة إلى الله تجري في عروقه، سافرنا سويًّا إلى إحدى الأماكن النائية، وفي يوم الجمعة طلب مني أن أبحث له عن مسجدٍ؛ لأنه لا يريد أن تمر عليه جمعة وهو لا يخطب.
بلغ بره لأمه أنه كان ينام يومًا عند أولاده، ويومًا عند أمه.
إنه الأخ الحبيب الذي لن أنساه ما حييتُ "خالد محمد عامر عيسى"، رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه الله الجنة، وألهم الله أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
اللهم أجرنا في مصيبتنا وأخلف علينا خيرًا منها، ولا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده.