السؤال:
اطلعتُ على فتوى د."برهامي" بشأن سؤال عن تكفير الشيخ "وجدي غنيم" للدكتور"أحمد زويل"، والسؤال المطروح مِن السائل لم يكن دقيقًا؛ لأن الشيخ "وجدي" لم يكفره لمجرد سفره إلى إسرائيل؛ بل لأنه حاز جائزة "نوبل"؛ لأنه منح إسرائيل اختراعًا يساعدهم على تطوير منظومة الصواريخ، وسؤالي:
أليس هذا مناصرة ومعاونة للكافر على المسلم؟! أليس هذا مِن باب الولاء للكافرين؟!
وأخيرًا: سيدنا حاطب بن أبي بلتعة لمجرد أنه أرسل إلى أهله في مكة ينبههم بقدوم رسول الله -عليه الصلاة والسلام- كاد أن يكفر "لولا أنه مِن أهل بدر"؛ فما بالنا بمن يمنح الكفار ما يساعدهم على قتل المسلمين؟! فهل د."أحمد زويل" بهذا الطرح وفهمي القاصر يكون كافرًا؟! وجزاكم ربي خيرًا، وحفظكم الله وحفظ جميع مشايخنا الأفاضل في مصر وفي كل مكان.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالتكفير أمر خطير، ولا يجوز بالظنون والإشاعات، وقصة حاطب أصل عظيم في هذا الباب "أعني باب الولاء والبراء"؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- ثبت لديه يقينًا فعل حاطب في مراسلة المشركين؛ فأين عند مَن يكفر "زويل" اليقين بأنه منح إسرائيل اخترعًا يساعدهم على تطوير منظومة الصواريخ، وقد نفى هو ذلك صراحة (http://fath-news.com/news.php?id=197084).
أما أن يكون قد اخترع اختراعًا أو اكتشف اكتشافًا استعمله أناس في الخير، واستعمله أناس في الشر؛ فلا يمكن أن يتحمل هو مسئولية الشر؛ فضلاً عن أن يكون مواليًا للكفار بذلك، فضلاً مَن أن تكون موالاة كفرية، لكنها الجرأة على التكفير، واتهام الناس بغير علم، ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد ما ثبت لديه فعل حاطب استفصل منه، وقال: "يا حاطب ما هذا؟!"؛ فلو ثبت لدى أحد فعل هو موالاة للكفار تحتمل أن تكون موالاة كفرية، وتحتمل أن تكون معصية وكبيرة؛ فالواجب أن يسأل كما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- حاطبًا: ما حملك على ذلك؟ فإن نفى أن يكون فعل ذلك ردة عن دينه أو رضا بالكفر بعد الإسلام لم يكفر.
وأما قولك إن حاطبًا كاد أن يكفر لولا أنه مِن أهل بدر، فكلام غير صحيح؛ فإن الكفر والشرك لو صدر مِن نبي أو رسول لحبط عمله، قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)؛ فكيف بمن دونه؟!
والشرك محبط للعمل ولو كان جهادًا أو صلاة، بل توحيدًا إذا أعقبه بالشرك، فالذي دلَّ عليه الحديث أن فعل حاطب موالاة غير مكفرة، وإنما الذي منع منه شهوده بدرًا هو قتله على التجسس، فإن الجاسوس المسلم يجوز قتله ولا يتحتم، ولو كان كافرًا لكان واجبًا على الردة، وأمر الجاسوس المسلم إلى الإمام؛ فامتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن قتله كما أراد عمر لأجل أنه شهد بدرًا، والقصة أصل قي بيان أن الموالاة للكافرين المقاتلين للمسلمين فيها نوع كفري، وهو بالخروج معهم في قتالهم لنصرة الكفر على الإسلام، وفيها نوع غير كفري كفعل حاطب.
وأنتَ رأيتَ "وجدي غنيم" يكفـِّر دون تثبت: هل فعل هذا أم لا؟ ودون استفصال لمَ فعل هذا لو ثبت! ثم دون توضيح أن هذا النوع لو ثبت واعترف به ليس مخرجًا مِن الملة.
وقد خطأ النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرَ -رضي الله عنه- فيما وصفه به مِن النفاق مع أن قول عمر -رضي الله عنه- يحتمل أن يكون قصد الأصغر، ولا يلزم أنه الأكبر، ولكنه يستحق ضرب العنق؛ لأنه تجسس لصالح الكفار، والجاسوس المسلم يستحق ذلك لو رأى الإمام المصلحة في هذا، أما إذا رأى أن له سابقة خير أو أنه صادق في حبه لدينه ونصرته له أو غير ذلك مِن المصالح؛ فله ألا يقتله.
وليس في قول عمر -رضي الله عنه- حجة للجهال الذين يكفرون المسلمين أمثال "وجدي" وغيره، ثم يقولون مسألة اجتهادية أخطا فيها عمر -رضي الله عنه-! فعندما تكونون في علم عمر -رضي الله عنه- ومنزلته وفهمه فافعلوا؛ أما أن تكونوا جهالاً مبتدعين ثم تكفرون المسلمين بغير فهم، ولا علم؛ فذلك مِن أخطر الأمور عليكم في دينكم، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَعْنُ المُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ، وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ) (رواه البخاري ومسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ) (متفق عليه).