الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأحد 28 ديسمبر 2025 - 8 رجب 1447هـ

أثر العربية في نهضة الأمة (16)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فواجب العربية علينا أن نسهر عليها، وأن نرعاها حقَّ رعايتِها، فنجعلها ملائمةً لمقتضيات العصر ومطالبه، مع الاعتداد بالماضي ومسايرته، دون العدوان على أصول العربية الثابتة أو مخالفة مبادئها المُقرَّرة.

ومِن هؤلاء الذين أدّوا واجبهم، وقاموا بالحق الذي عليهم: الفقيه الأديب المغربي الأستاذ عبد الله كنون (1908م - 1989م)، فقال مُدافعًا عن العربية في الحملات الباطلة التي تُشَنُّ عليها، ناقضًا شهادة الزُّور من الذين تجرَّؤوا عليها: (من الكلمات الحكيمة التي كثيرًا ما تجري على لسان علمائنا قولهم: "من كثر علمه قلَّ اعتراضه"، وتنطبق هذه الكلمة على كل من يحشر نفسه فيما لا إلمام له به من مسائل العلم واللغة والأدب، فيسيء إلى نفسه وإلى النّاس بما يظهر من جهله وخطله، وما يثيره من بَلبلةٍ في الرأي وخطأٍ في الحُكم؛ ومن هذا القبيل الحملة التي يَشنُّها بعضهم على اللغة العربية باتهامها بالقُصور عن مجاراة التطور العصري الحاصل في العلوم والفنون، حتى أصبحت في عداد اللغات الميتة كاللاتينية واليونانية القديمة.

والمعتدل مِن هؤلاء مَن يقول: إنَّها لُغةٌ أدبيَّةٌ لا تصلح للعلم، فعلى العرب أن يصطنعوا إحدى هذه اللغات الأجنبية التي برزت في مجال التقنية والحضارة الحديثة، كي يسايروا ركب الأمم المتقدمة، وإلا بقيت بلادهم بمعزلٍ عن التطور والرُّقِيِّ المنشود.

وأثَّرت هذه الدّعاية في كثير من قادة الفكر ورجال العلم عندنا، فادّعوا أنّ تلقينَ العلوم بالعربية غيرُ ممكن، وأصرُّوا على بقاء الجامعات في العالم العربي -وخاصّة الكُلِّيّات العلمية منها- جامعات أجنبية اللغة إلا ما ندر منها) (انتهى).

وقال عبد الله كنون أيضًا مُناهضًا لِدعوة إحلال العاميّة محلّ الفُصحى: (على أنّ دعوةً أخرى ملموسة كثيرًا ما يُروِّجُها الخصم بينهم، وهي ترمي إلى الغاية نفسها، ومن المؤسف أن يتبنّاها بعض أبناء العرب، وينساقوا في حبلها جاهلين أو عارفين بما تُؤدِّي إليه من تقسيم الأُمّة العربية، وفصم هذه العُروة الوثيقة التي تجمع بينهم، وأعني بها الدّعوة إلى إحلال العاميّة محلّ الفُصحى، وذلك هو ما حصل لِلُّغة اللاتينية بالضبط حين تحوَّلت لهجات الشُّعُوب المُتكلِّمة بها إلى لغات فماتت هذه اللغة موتًا معنويًّا، وحلّت تلك اللهجات محلّها فصارت الأُمّة الواحدة أُمَمًا متعدِّدة، وما يُفرِّق بينها أكثر ممّا يجمع، وأَخَصَّهُ اللغة) (انتهى).

فالعربية تُعوِّل علينا في نُمُوِّها وازدهارها، ورفعِ رايتِها وأداءِ رسالتِها، فنرجو أن نكونَ عند حُسن الظَّنّ.

وإلى المُلتقى في المقال القادم -إن شاء الله-.