الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 - 4 جمادى الثانية 1447هـ

نصائح وضوابط إصلاحية (67)‏

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن حقوق الأخوَّة الإيمانيَّة:

ثالثًا: المواساة بالمال والنفس:

أ- أما المواساة بالمال: فبأن تبذله لأخيك بحسب الاستطاعة، مع المبادرة بتقديم يد العون دون انتظار السؤال أو طلب المعونة؛ لأن البذل والعطاء ابتداءً من مقتضيات الأخوة الإيمانية، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ) (متفق عليه).

لا سيما وأن الاكتفاء المالي المتمثل في الحد الأدنى اللازم لتوفير الاحتياجات الشخصية والأسرية للأفراد داخل تلك الكيانات الإصلاحية، صار حاجة ملحة لاستمرار العطاء الدعوي لهم، فإن النفس إذا حازت رزقها اطمأنت وأبدعت.

وهذه المواساة المالية -كما قال العلماء- تكون بين الإخوة على ثلاث مراتب:

1- أقلها: أن تسد حاجته وتقوم برعايته من فضل مالك؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ) (رواه مسلم).

ومن روائع ذلك: ما ذكر عن الربيع بن خثيم أنه جاء إلى أمِّ ولد له فقال لها: "اصْنَعِي لَنَا طَعَامًا وأَطْيِبِي، فَإِنَّ لِي أَخًا أُحِبُّهُ أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَهُ فَزَيَّنَتْ بَيْتَهَا وَصَنَعَتْ مَجْلِسَهُ وَصَنَعَتْ طَعَامًا وَأَطَابَتْهُ ثُمَّ قَالَتِ: ادْعُ أَخَاكَ، فَذَهَبَ إلى سُلَالٍ جَارٍ لَهُ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ فِي كَرِيمِ مَجْلِسِهِ ثُمَّ قَالَ: قَرِّبِي طَعَامَكِ، فَقَالَتْ: فَمَا صَنَعْتُ هَذَا الطَّعَامَ إِلَّا لِهَذَا؟! قَالَ: وَيْحَكِ! قَدْ صَدَقْتُكِ هَذَا أَخِي وَأَنَا أُحِبُّهُ، فَجَعَلَ يَأْخُذُ مِنْ طَيِّبِ ذَلِكَ الطَّعَامِ فَيُنَاوِلُهُ" (الزهد لأحمد بن حنبل).

2- وأوسطها: أن تنزله منزلتك وترضى بمشاركته مالك؛ فقد كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه؛ كما قال الحسن -رضي الله عنه-، وكما أوضح علي بن الحسين -رضي الله عنهما- معنى الأخوة لرجل، فقال له: "هَلْ يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ يَدَهُ فِي كُمِّ أَخِيهِ وكيسه، فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا، قال: فلستم بإخوان" (إحياء علوم الدين).

3- وأعلاها: وهي مرتبة الإيثار بأن تقدِّم حاجته على حاجتك؛ مثل ما ظهر لنا عمليًّا في السيرة النبوية في مواقف الأنصار مع إخوانهم المهاجرين، وتلك مرتبة عليا لا يرتقي إليها إلا من أخلص قلبه، وكرمت سجاياه.

ب- وأما المواساة بالنفس: بأن تقوم بنفسك بقضاء حوائج إخوانك وأنت فرح مستبشر؛ لأن حاجة أخيك إليك هي فضل من الله عليك، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، بل هي من أحب الأعمال إلى الله؛ فاجتهاد المسلم في قضاء حاجات إخوانه سبب لجلب معونة الله له، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وهو دليلٌ لصدق الأخوة؛ فقد رُوي "أن ابن شبرمة قضى حاجة لبعض إخوانه كبيرة، فجاء بهدية، فقال: ما هذا؟ قال: لِمَا أسديته إليَّ، فقال: خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة وكبِّر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى" (إحياء علوم الدين).

ومراتب المواساة هذه إن لم يوفَّق الفرد إلى مرتبة منها مع أخيه؛ فليعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد، وحبله ما زال مرتخيًا؛ وإنما هي مخالطة رسمية لا واقع لها ولا أثر.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.