كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإذا نظرنا إلى حال أُمَّتِنا مع لُغتِها اليوم ارتدّ إلينا طرفُنا حسرةً وأسفًا، مِن هذا الواقع الذي لا غَنَاءَ فيه ولا مَقْنَعَ به!
فنأملُ -مع بارقةٍ من رجاءٍ، في غدٍ ميمونٍ- أن نكونَ أوفى لها، وأحنى عليها، وأنهضَ بحقِّها المقسوم، لكن نرجو ألّا يَطولَ بنا التَّرقُّب، ويَثقلَ علينا التَّلبُّث، في أن نجدَ مَن يُلقي إلى العربية بالَه، ويشحذ لها عزمَه، ويقبل على تاريخِها المجيد، فينشر مَطويّاته، ويُوضِّح غوامضه، ويُمحِّص حقائقه، ثم يعرضه عرضًا وافيًا شافيًا، فيكون بذلك قد عمل عملًا صالحًا، وحقَّق أملًا عزيزًا.
قال الأستاذ إبراهيم التَّرزي (1927م - 2001م): "لِكُلِّ لُغةٍ تراثُها الأصيل، وبقدر ما يمتدّ الزَّمان والمكان باللغة، ويتوافر عطاءُ أهلِها الثَّقافيُّ، تكون ذخيرة هذا التُّراثِ اللُّغويِّ في ميادينه العِلْميّةِ والأدبيّةِ والفَنِّيَّة، ولُغتُنا العربية من أعرق لُغاتِ العالَم، ولكنَّها تتفوق على كل اللغات بوفرةِ تُراثِها، وتَنوُّعِه، وجلالِه، وجمالِه.
كما تمتاز لُغتُنا العربية بأنَّها -مع قِدَمِ حركة تدوينها- قد تلاحقت، ونَشِطَتْ، ولَم تتوقف في عطائها الثَّقافيّ، بل أخذت تغزو بُلدانًا كثيرةً في الشَّرق والغرب، وتصبح اللُّغةَ القوميّةَ لِأبنائِها.
وبذلك الامتدادِ الزَّمانيِّ والمكانيِّ لِلُّغةِ العربيّة، وفي ظِلِّ الحضارة الإسلامية المُزدهِرة، ازداد تُراثُنا العربيُّ قَدرًا وقِيمةً، وأخذ تأثيرُه الحضاريُّ يتجاوز حُدودَ العالَمِ الإسلاميِّ إلى سائر الحضارات في شتَّى أرجاء العالم، بعثًا، وإحياءً، وتنويرًا، وتطويرًا، وبذلك كان لِلتُّراثِ العربيِّ آثارُه العميقةُ العريقةُ في مختلف الحضارات، وصارت جُزءًا غاليًا من التُّراثِ الإنسانيِّ العالميّ.
ولعلَّ هذا ما حدا ببعض المستشرقين إلى إحياء تُراثِنا العربيِّ ونشره، وإلى أن يكونوا سبّاقين إلى ذلك، في عنايةٍ وإتقانٍ نفتقدُهما في كثيرٍ من المُحقِّقين العرب!
وإنَّ واجب الوفاء لِأُمَّتِنا، بل واجب الوفاء لِأَنْفُسِنا، لَيَفرِضَانِ علينا ألّا نَدَّخِرَ وُسْعًا في إحياء تُراثِنا العربيّ، تعميقًا لأصالتنا العربية الإسلامية، وتأكيدًا لقدرتنا على العطاء الحضاريّ، ودعمًا لثقافتنا المُعاصِرة بمُقوِّماتِنا الثَّقافيَّةِ العريقة.
ولا تَتوقَّفُ الآثارُ الجليلةُ لإحياء تُراثِنا العربيِّ عند هذه الحدود، وكُلُّها مطلوبٌ منشودٌ؛ لأنَّ هذا الإحياءَ لِتُراثِنا فيه تقويمٌ وتسديدٌ لبعض أحكامنا الثَّقافيّة والتَّاريخيّة، بل إنَّه يكشف -أحيانًا- ما يُؤدِّي إلى تغيير بعض هذه الأحكام التي صارت قضايا ومُسلَّماتٍ فَرَضَتْ نفسها على الدّارسين والباحثين!" (انتهى).
فنُهِيبُ بجميع النَّاطقين بلُغةِ الضَّادِ أن يحرصوا على أن تعودَ اللُّغةُ العربيَّةُ إلى أصالتِها، وإلى ازدهارِها الذي كانت تَتمتَّعُ به مِن قَبْلُ، فهذا دون نزاعٍ واجبُهم، وعليهم أن يُؤدُّوه.
وإلى اللِّقاءِ القادمِ -بإذن الله-.
والله المُوفِّق والمستعان، بيده الخيرُ وهو على كُلِّ شيءٍ قدير.