كتبه/ ساري مراجع الصنقري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد عبَّر الشاعر الصقلّي إجنازيا بوتينا بأبياتٍ عنوانها: "لغة الحوار" تعبيرًا دقيقًا في وصف اللغة بالهُويّة، وقد نقلها عنه الدكتور أحمد درويش في كتابه "إنقاذ اللغة.. إنقاذ الهُويّة".
قال إجنازيا:
ضَعْ شعبًا في السَّلاسل
جرِّدْهُم مِن ملابسِهم
سدّ أفواهَهم، لكنّهم ما زالوا أحرارًا
خُذْ منهم أعمالَهم وجوازاتِ سفرِهم
والموائدَ التي يأكلون عليها
والأسرَّةَ التي ينامون عليها
لكنّهم ما زالوا أغنياء
إنّ الشعبَ يفتقرُ ويُستعبَد
عندما يُسلَبُ اللسان
الذي تركه الأجدادُ، وعندها يضيع إلى الأبد
قال الأديب الشاعر اليمنيّ الدكتور عبد العزيز المقالح (1937م – 2022م) مُعلِّقًا على أبيات إجنازيا: "هي -من وجهة نظري- أكثر من مُعبِّرة، إذ تختزل أهمية اللغة بوصفها هُويّة وانتماء.. كم كان هذا الشاعر صادقًا وأمينًا وهو يضع النقاط على الحروف في موضوع اللغة، ودورها في حياة الإنسان الذي يجد ديمومته وديمومة شعبه وأُمَّته في لغته التي عليها يتأسس جوهر هُويّته، وتتحدّد معالم انتمائه" (انتهى).
وبمناسبة الكلام في المقال السّابق عن تلاميذ المرحلة الابتدائية، والتي رجَّح الدكتور عبده الراجحي أن تكون بداية العلاج من عندها، ينبغي أن ننقل في هذا الشأن كلام المُفكِّر اللُّبنانيّ كمال يوسف الحاج (1917م - 1976م)، الذي كان يرى أنّ اللغة من أهمّ الأساليب التي تصهر عناصر الأُمَّة في بوتقةٍ واحدة، وأنّها من أهمّ الأساليب التي تقيم التفاهم الذهني بين مختلف الطبقات.
قال في كتابه "فلسفة اللغة" (ص 140)، طبعة 1978م، دار النهار: "من أجل هذا كان عظيمًا جدًّا خطأ الذي يفرضون لُغةً أجنبيّةً كأداةٍ للتدريس على التلميذ دون العاشرة، لَكأنّنا بهم يفرضون عليه أن يعيش غير تاريخه، وأن ينتسب إلى أجداد غير أجداده، وأن ينتمي إلى غير فصيلته، إلى غير أُمَّته، وأن يتصرف بجسمه عكس منطق العفويّة.
جهود هؤلاء لا تأتي بالثمر النافع، بل تساعد على خَلقِ جيلٍ لا شيء يربطه بمحيطه ويصله باختيارات السّابقين من أسلافه" (انتهى).
ولا أُخفِي عليكم سِرًّا أنني حينما أذكر هؤلاء العلماء الأعلام تملكني دواعٍ من الرغبة، يُملِيها نُزوعٌ إلى التماس الرشد من منارات المعرفة، ونشدان الحكمة من جهابذة الفصحى، وابتغاء المزيد من فضل عطائهم الذي لا ينضب مَعينُه ولا تَجفّ جداولُه.
ونلتقي في مقالٍ قادمٍ -إن شاء الله-.
ونَسألُ اللهَ الرِّضا والتَّوفيق.